الحرفيّ الذي يعبّر عنه بالاقتضاء والبعث ولكنّه لم يصب في دعوى كونها موضوعة للدلالة على الإرادة لأنّ دلالة الإنشاءات على أنّ المتكلّم بها مريدا لها تكون بدلالة الاقتضاء لا بالدلالة اللفظيّة فإنّها بما أنّها فعل من الأفعال وصادرا من المتكلّم الحكيم تدلّ على صدورها بالإرادة ولذا يقال إنّ الأصل في الأفعال حملها على الجدّ حتّى يظهر خلافه وكثرة الصدور لا عن جدّ لا يوجب سدّ باب الأصل المزبور.
ومن المعلوم أنّ هذه الدلالة ليست دلالة لفظيّة وضعيّة بل هي مستندة إلى بناء العقلاء على أنّ الأصل في الأفعال هو حملها على الجدّ.
بقي هنا شيء : وهو أنّ سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدسسره قال بعد ردّ ما قاله صاحب الدرر من امتناع كون الصيغ الإنشائيّة إيجاديّا : نعم يمكن أن يقال إنّ ما ذهب إليه صاحب الكفاية من كون الإنشاءات إيجاديّا لا حكائيّا من متفرّداته لعدم سابقة لذلك في كلمات الأصحاب لأنّ ظاهر المتنازعين في وجود الطلب النفسانيّ وراء الإرادة هو تسليم كون الصيغة حاكية وإنّما النزاع في أنّها حاكية عن الإرادة الحقيقيّة أو الطلب النفسانيّ فالحكاية مفروغ عنها عندهم. وأيضا ظاهر من قال بأنّ قولنا : «اضرب» مساوق لقولنا : «اريد منك الضرب» هو دلالة الصيغة على الإرادة الواقعيّة لا الإنشائيّة وأيضا ذهاب الأصحاب إلى انسلاخ صيغ التمنّي والترجّي ونحوهما عن معانيها في القرآن الكريم فيما إذا استند إلى الله سبحانه وتعالى قرينة على أنّ المقصود من صيغ التمنّي والترجّي ونحوها هي حقيقة الترجّي والتمنّي التي كانت الصيغ حاكية عنها لا المعاني الإنشائيّة التي توجد بنفس الصيغ وإلّا لما احتاج إلى انسلاخها. انتهى ويمكن أن يقال : إنّ عدم سابقة في الكلمات لا يلزم بطلان ما حقّقه صاحب الكفاية. ألا ترى أنّ السابقين ذهبوا إلى أنّ العامّ المخصّص مستعمل في المعاني المجازيّة قبل سلطان العلماء ومع ذلك كان الحقّ مع سلطان العلماء حيث قال إنّ التخصيص في الإرادة الجدّيّة ومعه لا يلزم استعمال العامّ في غير معناه حتّى يكون مجازا.