النفسيّة كذلك يكون كافيا في الواجبات الغيريّة.
وبعبارة اخرى أنّ الفاعل لفعل إذا رأى توقّفه على شيء أراده وأتى به ليتمكّن من الفعل الذي يكون مطلوبه ، وإذا كان طالبا لفعل الغير لكان بالنسبة إلى مقدّماته أيضا طالبا ولو لم يكن طلبه فعليّا بعدم التفاته إلى ذلك بجهة من الجهات.
وبتقدير آخر أنّ الإرادة التشريعيّة تابعة للإرادة التكوينيّة إمكانا وامتناعا ووجودا وعدما ؛ فكلّ ما أمكن تعلّق الإرادة التكوينيّة به أمكن تعلّق التشريعيّة به ، وكلّ ما استحال تعلّق التكوينيّة به استحال أن يكون متعلّقا للتشريعيّة ؛ وهكذا كلّ ما يكون موردا للإرادة التكوينيّة عند تحقّقه من نفس المريد يكون موردا للتشريعيّة عند صدوره من غير المريد. ومن الواضح أنّ المريد لفعل بالإرادة التكوينيّة تتعلّق إرادته أيضا بالتبع بإيجاد مقدّماته وإن كان غافلا عن مقدّميّتها لذلك الفعل ، بمعنى أنّه لو التفت إلى توقّفه عليها في مقام وجوده لأرادها ، ولازم ذلك بمقتضى التبعيّة المتقدّمة أن يكون تعلّق الإرادة التشريعيّة من الأمر بفعل مستلزما لتعلّق الإرادة التشريعيّة التبعيّة بمقدّمات ذلك الفعل (١).
يرد على التقريب الثاني أنّ المولويّة والإرشاديّة من شئون الأمر لا من شئون الإرادة أيضا ، حيث لا يعقل أن تكون الإرادة لجعل الداعي. نعم ، يشهد وجدان الإرادة التشريعيّة ـ أي إرادة المقدّمة من الغير عند إرادة ذيها ـ على كون الأمر المتعلّق بها تبعا للإرادة التشريعيّة أمرا ، مولويّا إذ ـ كما أفاد المحقّق الأصفهانيّ قدسسره ـ لا إرادة تشريعيّة في المقدّمة بناء على الإرشاديّة إذ لا شأن للناصح والمرشد إلّا إظهار النصح والإرشاد إلى ما في نفس الشيء من الصلاح والفساد. وهذا لا يقتضي إرادة المرشد لذات المأمور به ، قلنا وإرادة الإرشاد تكوينيّة لا تشريعيّة (٢).
__________________
(١) بدائع الافكار : ١ / ٣٩٩.
(٢) نهاية الدراية : ١ / ٣٧٤.