فإرادة وجود المقدّمات من الغير ولو كانت تقديريّة ممّا يشهد عليها الوجدان ، وهي حيث تعلّقت بذات المقدّمات تدلّ على أنّها تشريعيّة لا إرشاديّة ، إذ لا شأن للإرشاديّة إلّا إظهار النصح والإرشاد إلى ما يترتّب على المقدّمات من الصلاح وهو النيل إلى ذي المقدّمة ، والفساد وهو عدم النيل بترك المقدّمة ؛ والمفروض في المقام إرادة ذات المقدّمات ولو بتبع ذيها.
أورد على الاستدلال المذكور في نهاية النهاية بأنّ الوجدان حاكم بأنّ المولى بما هو مولى لا يريد سوى ما هو مطلوبه الأوّليّ الذاتيّ وأمّا مطلوبه الثانويّ العرضيّ فذلك مطلوبه بما أنّه أحد العقلاء وبتلك الجهة التي يشاركه فيها عبده وسائر العقلاء ، فيكون أمره بالمقدّمات وطلبه لها إرشاديّا محضا ، ولذا ربّما ينفي إرادة غير ذي المقدّمة ويصرّح بأنّي لا اريد منك إلّا الكون على السطح ، وأمّا ما عداه فالإتيان به وعدمه على حدّ سواء (١).
وفيه أنّ نفي الإرادة لا يصحّ إلّا إذا كان المقصود منه نفي الإرادة الذاتيّة ، وإلّا فمع الالتفات بأنّ المطلوب الأوّليّ الذاتيّ لا يمكن الإتيان به إلّا من طريق الإتيان بمقدّماته نمنع نفي الإرادة التبعيّة ، بل يشهد الوجدان على وجودها فيما إذا رأى أنّ التأخير في المقدّمات يوجب تفويت المطلوب الأوّليّ ، فإنّه نادى بأعلى صوت بالأمر بالإتيان بالمقدّمات مع التأكيدات المكرّرة حتّى لا يفوت المطلوب الأوّليّ ولا يكتفى بمجرّد إظهار النصح والإرشاد إلى ما في نفس الشيء من الصلاح والفساد ، بل يريد من الغير تشريعا أن يأتي بالمقدّمة ، وهذا هو الشاهد على أنّ الأمر المتعلّق بالمقدّمة مولويّ لا إرشاديّ كأحد من العقلاء ، وإلّا لا كتفى بمجرّد إظهار النصح والإرشاد. ودعوى أنّ المولى يكون بالنسبة إلى إتيان المقدّمات وعدمها على
__________________
(١) نهاية النهاية : ١ / ١٨٢.