حدّ سواء كما ترى ، ويكذبها الوجدان.
وممّا ذكر يظهر ما في نهاية الاصول حيث قال : إنّ الوجدان من أقوى الشواهد على عدمه بداهة أنّه بعد مراجعة الوجدان لا نرى فيما ذكرت من المثال إلّا بعثا واحدا ، ولو سئل المولى بعد ما أمر بشيء له مقدّمات هل لك في هذا الموضوع أمر واحد أو أوامر متعدّدة؟ فهل تراه يقول أنّ لي أوامر متعدّدة؟ لا ، بل يجيب بأنّ لي بعثا واحدا وطلبا فاردا متعلّقا بالفعل المطلوب.
نعم ، لا ننكر أنّ العقل يحكم بوجوب إتيان المقدّمات حفظا لغرض المولى وتمكّنا من إتيانه ، ولكن أين هذا من الوجوب الشرعيّ والطلب المولويّ! وبالجملة ، الوجدان أقوى الشواهد على عدم تعدّد البعث من قبل المولى بتعدّد المقدّمات. ولذا لو التزم المولى بأن يعطي بإزاء كلّ أمر امتثله العبد دينارا فامتثل العبد أمرا صادرا عنه متعلّقا بفعل له ألف مقدّمة ـ مثلا ـ فهل ترى للعبد أن يطالب المولى بأكثر من دينار واحد؟ وليس ذلك إلّا لعدم وجود البعث بالنسبة إلى المقدّمات ، بل الموجود بعث واحد متعلّق بالفعل المطلوب حتّى في صورة جعل المقدّمة في قالب الطلب أيضا ، لما عرفت من أنّ البعث نحو المقدّمة بما هي مقدّمة عين البعث نحو ذيها بالنظر الدقيق (١).
وذلك لما قرّرناه من شهادة الوجدان على وجود الإرادة التشريعيّة إذا التفت المولى إلى المقدّمات مطلوبة وعدم كونه بلا تفاوت بالنسبة إلى الإتيان وعدمه.
وقوله : «لو سئل المولى بعد ما أمر» إلخ ، لا يفيد ؛ لأنّه إن أراد به أنّ الآمر نفى الأمر النفسيّ بالمقدّمات فهو كذلك ولا يدّعيه أحد ، وإن أراد به أنّه نفى الأمر الغيريّ فهو أوّل الكلام ، وليس ذلك ببديهيّ. هذا هو الذي صرّح بوجوده الشيخ ومن تبعه بالوجدان ، فكيف يستدلّ بأمر يكون موردا للإنكار ، وهكذا لا مجال للاستشهاد
__________________
(١) نهاية الاصول : ١ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.