الاجتناب عن جميع الأطراف مقدمة لترك الحرام المعلوم في البين ، وإنما يجوز رفع اليد عن مقتضاه بمقدار ما يثبت من المانع ، والاضطرار إلى غير المعين لا يصلح أن يكون مانعا عن وجوب ترك الحرام مطلقا ولو لم يصادف رفع الاضطرار به ، بل أقصى ما يقتضيه الاضطرار هو جواز الاقتحام في الحرام على تقدير مصادفة ما يدفع به الاضطرار له ، لان الضرورات تتقدر بقدرها ، ويكفي في وجوب الاجتناب عن الباقي الغير المضطر إليه احتمال أن يكون هو الحرام المعلوم.
وتوهم : أنه ليس للمولى الترخيص في مخالفة التكليف على تقدير دون تقدير فاسد ، فإنه لا مانع من ذلك ، فدعوى : أن الترخيص في البعض تخييرا يلازم الترخيص في الكل مما لا شاهد عليها ، فتأمل.
لا إشكال في أن الاضطرار إلى المعين يقتضي التوسط في التكليف.
وأما الاضطرار إلى غير المعين ففي اقتضائه التوسط في التكليف أو التوسط في التنجيز ، إشكال.
وتوضيح ذلك : هو أن التوسط في التكليف معناه : ثبوت التكليف الواقعي على تقدير وعدم ثبوته على تقدير آخر ، بتقييد إطلاقه وتخصيصه بحال دون حال (١) كما هو الشأن في تقييد كل إطلاق بقيد وجودي أو عدمي.
__________________
١ ـ أقول : تفسير التوسط في التكليف بنحو يشمل الاضطرار بالمعين لو كان لاصطلاح منه فلا مشاحة في الاصطلاح معه ، وإن كان الغرض منه الإشارة إلى ما أفاده الشيخ قدسسره في المقام فهو بمعزل عن مرامه ، بل مرجع كلامه إلى التكليف الناقص القائم بكل واحد من الطرفين الذي هو حافظ لوجود مرامه من جهة دون جهة ، وهو الذي كان واسطة بين نفي التكليف رأسا وبين ثبوته بقول مطلق ، كما هو الشأن في كل طلب قائم بطرفي التخيير في الواجبات التخييرية ، كما لا يخفى ، فتدبر فافهم ترى مثل هذا التكليف مختصا بالاضطرار بغير المعين.