وعلى الوجه الآخر يكون الموضوع مرتفعا ، فالشك في أحد الوجهين يستلزم الشك في بقاء الموضوع. ولا جامع بين الوجهين حتى يجري فيه الاستصحاب ، فإذا لم يجر الاستصحاب وفرض الشك في أحد الوجهين فالامر يدور بين التعيين والتخيير ، لأنه على تقدير كون التخيير في المسألة الأصولية يتعين ما اختاره المكلف أولا ، وبناء على كون التخيير في المسألة الفقهية يكون المكلف مخيرا في اختيار أحدهما دائما ، وقد تقدم في مبحث البراءة : أنه مهما دار الامر بين التعيين والتخيير فالأصل العملي يقتضي التعيين (١) خصوصا في مثل المقام مما كان دوران الامر بين التعيين والتخيير في باب الطرق والامارات (٢) فراجع ما ذكرناه في مبحث البراءة.
المبحث التاسع
المشهور بين الأصحاب : أن التخيير إنما هو في صورة تعادل المتعارضين وتكافئهما في المزايا المنصوصة ـ على ما سيأتي بيانها ـ فلا يجوز الاخذ بأحدهما
__________________
١ ـ أقول : بالله! مسألة التعيين والتخيير إنما هو في صورة الدوران بين الوجوب التخييري أو وجوب أحدهما تعيينا ، ولقد عرفت : ان في باب التعارض المنتهى فيه الامر إلى التناقض في المدلول يستحيل الوجوب التخييري ، وإنما الممكن فيه هو التخيير العملي العقلي الذي هو نتيجة الإباحة ، وفي مثله عند الدوران بين الوجوب والإباحة من الذي يقول بالتعيين والوجوب؟ وكأن المقرر خلط بين التخيير العملي الممكن في المقام وبين الوجوب التخييري وزعم في المقام هذا التخيير ـ بشهادة تمثيله بالتخيير بين القصر والاتمام ـ وغفل عن استحالة الثاني وان ما هو ممكن هو صرف التخيير عملا الذي هو مفاد الإباحة ، بل في مثله عند الدوران يتعين الاخذ بالإباحة ، لا التعيين.
٢ ـ لا يخفى : أن دوران الامر بين التعيين والتخيير إنما يكون في مقام العمل ، وأما في مقام الفتوى : فالامر يدور بين المحذورين ، لأنه بناء على أحد الوجهين يتعين الفتوى بمضمون أحدهما بالخصوص ، وبناء على الوجه الآخر يتعين الفتوى بالتخيير ، فتأمل ( منه )