باب تعارض الاخبار كان الحكم عند تعارض النصين في وجوب الأكثر هو التساقط والرجوع إلى البراءة ، إلا أن إطلاق أدلة التخيير تعم مورد تعارض النصين في وجوب الأكثر ، فللمجتهد الفتوى على طبق أحدهما إذا قلنا بالتخيير في المسألة الأصولية ، وللمقلد العمل على طبق أحدهما إذا قلنا بالتخيير في المسألة الفقهية ، على ما سيأتي بيانه ( إن شاء الله تعالى ) في محله.
نعم : هنا بحث آخر قد تعرض له الشيخ قدسسره في المقام وفي باب التعادل والتراجيح ، وهو أن التخيير في الاخذ بأحد المتعارضين هل يختص بما إذا لم يكن في البين إطلاق أو عموم موافق لأحدهما؟ بحيث كان المرجع بعد التساقط لولا أدلة التخيير هو الأصول العملية ، فلو كان هناك عام موافق فالعمل لابد وأن يكون على طبق العام لا التخيير (١) أو أن التخيير في الاخذ
__________________
١ ـ أقول : بعدما كان مفاد أدلة التخيير في المتعارضين الوجوب التخييري لا صرف الارشاد إلى التخيير في العمل ، كيف! وهو خلاف ظاهر أمره بالتخيير بقوله : « إذن فتخير » فلا محيص حينئذ من تطبيقه على مورد يمكن مخالفة هذا الامر ، وهو لا يكون إلا في صورة التمكن عن مخالفة مفاد المتعارضين ، وبعد فرض انتهاء الامر في تعارض الخبرين إلى النفي والاثبات اللتين هما من النقيضين يستحيل تصور الوجوب التخييري في مثله ، كي ينتهي الامر إلى التخيير في المسألة الفرعية ، بل التخيير المتصور فيه هو مجرد التخيير العملي الذي هو مفاد البراءة ، أو التخيير في المسألة الأصولية الراجع إلى الامر بأخذ كل واحد في استطراقه إلى الواقع ، كي ينتج بعد الاخذ تعين الحجة والطريق له ، فإذا كان كذلك ، فنقول ، إن المتعين بظاهر الامر في المولوية هو الأخير ، لا الأوليين ، وبعد ذلك نقول :
إن من المعلوم : أن حجية كل واحد قبل الاخذ به محال ، ولازمه تحير المكلف قبل الاخذ بواحد منهما ، غاية الامر أمكن للمكلف رفع تحيره بواحد منهما بعد أخذه ، وحينئذ لو بنينا على قصر اقتضاء حجية العام على طرف لم يرد على خلافه حجة أقوى صدق هذا المعنى قبل الاخذ بواحد منهما ، وعليه فلو كان الامر بالتخيير مختصا بالمتحير العقلي فلا يشمل المقام ، لوجود العام في رفع تحيره ، وإن قلنا بعدم اختصاصه يشمل المقام ، فيسقط العام بعد الاخذ بالمخالف عن الحجية لوجود الحجة الأقوى على خلافه ، ولا معنى حينئذ لمرجحية العام.
نعم : لو بنينا على اقتضاء العموم للحجية وأن الحجة الأقوى من باب وجود الأقوى في المتزاحمين