والاضطرار جعل حدا للتكليف شرعا.
فدعوى : أن العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين المحدود وغيره لا يقتضي التنجيز ، مما لا سبيل إليها.
نعم : تصح هذه الدعوى مع وحدة متعلق العلم ، كما لو علم بوجوب إكرام زيد وتردد بين اليوم واليومين ، فإنه في مثل ذلك يمكن أن يقال : بعدم وجوب الاكرام في اليوم الثاني وجريان البراءة عنه إن لم نقل بجريان استصحاب وجوب الاكرام الثابت في اليوم الأول.
فتحصل من جميع ما ذكرنا : أن الاضطرار إلى المعين لا يرفع تأثير العلم الاجمالي بالنسبة إلى الطرف الآخر إذا كان طرو الاضطرار بعد العلم.
وأما الاضطرار إلى غير المعين ، فالأقوى فيه وجوب الاجتناب عما عدا ما يدفع به الاضطرار مطلقا في جميع الصور ، سواء كان الاضطرار قبل تعلق التكليف بأحد الأطراف أو بعده ، وسواء كان قبل العلم به أو بعده أو مقارنا له ، فان الاضطرار إلى غير المعين يجتمع مع التكليف الواقعي ولا مزاحمة بينهما ، لامكان رفع الاضطرار بغير متعلق التكليف (١) مع قطع النظر عن العلم والجهل
__________________
١ ـ أقول : لا يخفى أن الاضطرار بغير المعين إنما يجتمع مع التكليف بالمعين ما لم يزاحم هذا التكليف بتكليف آخر ولو عقليا ظاهريا ، إذ حينئذ يلزم العقل بجعل الاضطرار في غير مورد التكليف ، فيؤثر التكليف بلا مزاحم في إيجاد متعلقه.
وأما لو كان في البين إلزام آخر ـ ولو ظاهريا ـ لا مجال لالزام العقل بجعل الاضطرار في الطرف الآخر ، فللمكلف جعل اضطراره في مورد التكليف ، ففي هذه الصورة يزاحم الاضطرار مورده ، ولازم ذلك صلاحية مثل هذا الاضطرار لرفع اليد عن التكليف الواقعي ، غاية الامر لا مطلقا بل مشروطا باختيار ترك الآخر ، ونتيجة ذلك عدم بقاء الواقع على فعليته المطلقة ، بل قهرا يبقى للواقع تكليف توسطي بين ثبوته في الواقع بقول مطلق وبين نفي التكليف رأسا ، ولازمه جواز ترك الموافقة القطعية وإن قلنا بعلية العلم الاجمالي ، وذلك من جهة نقص في المعلوم ، لا في العلم ، وحينئذ ليست المسألة من صغريات ذلك البحث ، كما لا يخفى.