نعم : يعتبر في حسن الاحتياط إذا كان على خلافه حجة شرعية أن يعمل المكلف أولا بمؤدى الحجة ثم يعقبه بالعمل على خلاف ما اقتضته الحجة إحرازا للواقع ، وليس للمكلف العمل بما يخالف الحجة أولا ثم العمل بمؤدى الحجة ، إلا إذا لم يستلزم رعاية احتمال مخالفة الحجة للواقع استيناف جملة العمل وتكراره ، كما إذا كان مفاد الحجة عدم وجوب السورة في الصلاة ، فان رعاية احتمال مخالفتها للواقع يحصل بالصلاة مع السورة ولا يتوقف على تكرار الصلاة وإن كان يحصل بالتكرار أيضا.
وهذا بخلاف ما إذا كان مفاد الحجة وجوب خصوص صلاة الجمعة مع احتمال أن يكون الواجب هو خصوص صلاة الظهر ، فان رعاية احتمال مخالفة الحجة للواقع لا يحصل إلا بتكرار العمل ، وفي هذا القسم لا يحسن الاحتياط إلا بعد العمل بما يوافق الحجة ولا يجوز العكس.
والسر في ذلك : هو أن معنى اعتبار الطريق : إلقاء احتمال مخالفته للواقع عملا وعدم الاعتناء به ، والعمل أولا برعاية احتمال مخالفة الطريق للواقع ينافي إلقاء احتمال الخلاف (١) فان ذلك عين الاعتناء باحتمال الخلاف ، وهذا بخلاف ما إذا قدم العمل بمؤدى الطريق ، فإنه حيث قد أدى المكلف ما هو الوظيفة وعمل بما يقتضيه الطريق ، فالعقل يستقل بحسن الاحتياط لرعاية إصابة الواقع ، هذا مضافا إلى أنه يعتبر في حسن الطاعة الاحتمالية عدم التمكن من الطاعة التفصيلية ـ كما سيأتي بيانه ـ وبعد قيام الطريق المعتبر على وجوب صلاة الجمعة يكون المكلف متمكنا من الطاعة والامتثال التفصيلي بمؤدى الطريق ، فلا يحسن منه الامتثال الاحتمالي لصلاة الظهر (٢).
__________________
١ ـ أقول : معنى إلغاء احتمال الخلاف إلغائه في مقام التعبد بالعمل ، لا في مقام تحصيل الواقع رجاء كما هو واضح.
٢ ـ في النفس من كلا الوجهين شيء ، خصوصا في الوجه الأخير ، فان اعتبار الامتثال التفصيلي إنما هو في