فيكون مفاد قوله عليهالسلام « لا تنقض اليقين بالشك » هو أن الجري العملي الذي كان يقتضيه الاحزار واليقين لا ينقض بالشك في بقاء المتيقن.
وليس مفاد أخبار الاستصحاب هو « بقاء ما كان ودوام ما ثبت » لما عرفت في أول مبحث الاستصحاب : من أن للاحراز والشك دخلا في الحكم المجعول في باب الاستصحاب ، وبذلك يكون الاستصحاب من الاحكام الظاهرية ، ولو كان مفاد الاخبار « دوام ما ثبت » لكان ذلك حكما واقعيا نظير قوله عليهالسلام « حلال محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم حلال إلى يوم القيامة الخ » (١) كما أنه ليس مفاد أخبار الاستصحاب هو حرمة نقض اليقين بالشك بحيث يكون المجعول فيه حكما تكليفيا ، بداهة أن الحكم الاستصحابي يعم التكاليف الغير الالزامية والوضعيات وغير ذلك ، مع أنه لا يحرم فيها نقض اليقين بالشك ، فلا يمكن أن يكون المراد من النهي في قوله عليهالسلام « لا تنقض اليقين بالشك » النهي التكليفي ، بل المراد منه عدم الانتقاض ، بمعنى : أن الشارع حكم بعد الانتقاض وبقاء الجري العملي على وفق المتيقن ، ولذلك يجري الاستصحاب في الوضعيات وفي التكاليف الغير الالزامية.
إذا عرفت ذلك ، فقد ظهر لك : أن أخبار الباب إنما تختص بما إذا كان المتيقن مما يقتضي الجري العملي على طبقه ، بحيث لو خلي وطبعه لكان يبقى العمل على وفق اليقين ببقاء المتيقن ، وهذا المعنى يتوقف على أن يكون للمتيقن اقتضاء البقاء في عمود الزمان ليتحقق الجري العملي على طبقه ، فإنه في مثل ذلك يصح ورود النقض على اليقين بعناية المتيقن ويصدق عليه نقض اليقين بالشك وعدم نقضه به ، بخلاف ما إذا لم يكن للمتيقن اقتضاء البقاء في سلسلة الزمان فان الجري العملي بنفسة ينتقض ولا يصح ورود
__________________
١ ـ أصول الكافي : كتاب فضل العلم ، باب البدع والرأي والمقائيس الحديث ١٩.