وكان ظهور الحاكم أضعف من ظهور المحكوم ، بداهة أن لحاظ النسبة وقوع الظهور فرع التعارض ، وقد عرفت : أن دليل المحكوم لا يمكن أن يعارض دليل الحاكم ، لان دليل المحكوم إنما يثبت الحكم على فرض وجود موضوعه ـ كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقة ـ ودليل الحاكم ينفي وجود الموضوع أو يثبته ، فلا يمكن أن يعارض قوله : « أكرم العلماء » مع قوله : « النحوي ليس بعالم » أو قوله : « المنجم عالم » فدليل الحاكم دائما يتكفل بيان مالا يتكفل بيانه دليل المحكوم ، فلا يعقل وقوع المعارضة بينهما ، وذلك واضح لا ينبغي تطويل الكلام فيه (١).
المبحث الرابع
العام والخاص المتخالفان في السلب والايجاب وإن كانا متعارضين بحسب ما لكل منهما من الظهور ابتداء ، إلا أن أصالة الظهور في طرف الخاص تكون
__________________
١ ـ أقول : قد أشرنا إلى تصوير المعارضة بينهما أحيانا في بعض المقامات ، مثل ما لو كان في البين كبريات متعددة ، كعنوان « النجفي » و « العراقي » وكثر ابتلائه ببعضها دون بعض ، ففي هذه الصورة لو قيل : « زيد ليس عراقيا » أو « نجفيا » ربما ينصرف الذهن منه إلى الحكم الذي هو مورد ابتلائه دون غيره ، وربما يكون في * إطلاق نظره إلى غير هذا الحكم في غاية الضعف ، بحيث كان إطلاق دليل الكبرى للمورد أظهر ، ففي مثل هذه الصورة يقدم دليل الكبرى على دليل التنزيل ، وتوجب صرف نظره الذي به قوام حكومته إلى غيره من سائر الكبريات ، وربما يكون الظهوران يتساويان ، فقهرا يتساقط الظهوران بلا تقديم أحدهما على الآخر ، كما هو ظاهر ، فتدبر فيما ذكرنا كي يغرنك صورة ما أفاده من البرهان المقتضي لعدم معقولية المعارضة بين دليل الكبرى ودليل التنزيل في الصغرى إخراجا أو إدخالا.
وتوضيح المغالطة : أنه لو فرض عدم تكفل دليل الكبرى لاثبات صغراه لا يكاد تقديم دليل التنزيل ما لم يكن في نظره إلى مثل هذا الكبرى أيضا أقوى منه ، ومع أقوائية نظره إليه من دليل الكبرى بالنسبة إلى المورد كان دليل التنزيل حاكما عليه ولو كان دليل الكبرى أيضا ناظرا إلى إثبات موضوعه. وحينئذ لا يبقى لما ذكر من البرهان نتيجة وإن كان قابلا لاغتشاش الأذهان.
* والظاهر زيادة كلمة « في » ( المصحح ).