لمزية تكون قرينة عرفية على التصرف في الآخر.
وبالجملة : مجرد إمكان التأويل وحمل أحد المتعارضين على خلاف طاهره لا يكفي في جواز الجمع بين الدليلين ، وإلا لزم طرح الأخبار الواردة في باب المتعارضين ـ من الترجيح بالسند أو التخيير ـ أو حملها على الفرد النادر ، وهو ما إذا كان التعارض بين النصين اللذين لا يحتمل فيهما الخلاف ، وإلا ففي غالب موارد التعارض يمكن فيه التأويل وحمل أحد المتعارضين على خلاف ظاهره. فلابد وأن يكون مرادهم من « الامكان » هو الامكان العرفي ، بحيث يساعد عليه طريقة المحاورة بين أهل اللسان ، على وجه لا يبقى العرف متحيرا في استكشاف المراد من الدليلين ، فلا عبرة بالجمع التبرعي الذي لا يساعد عليه العرف والعقلاء ، كما لا عبرة بمجرد كون أحد الدليلين أظهر من الآخر ، فان الأظهرية لا تقتضي التصرف في الظاهر وحمله على خلاف ظاهره ما لم تصل الأظهرية إلى حد تكون قرينة عرفية على التصرف في الآخر (١) وكذا لا عبرة بما ذكروه في تعارض الأحوال : من الشيوع والغلبة وكثرة الاستعمال ونحو ذلك ، فإنه لا أثر لشيء منها في رفع التعارض عن المتعارضين ، بل طريق رفع التعارض ينحصر بأحد أمرين : إما أن يكون أحدهما نصا في مدلوله والآخر ظاهرا ، وإما أن يكون أحدهما بظهوره أو أظهريته في مدلوله قرينة عرفية على التصرف في الآخر (٢) والجمع العرفي يدور مدار أحد هذين الأمرين ويندرج في كل منهما موارد عديدة.
__________________
١ ـ أقول : بمعنى كون أحد التصرفين أبعد عن الآخر مع اشتراكهما في بعد التصرف ، بل لابد وأن يكون الأظهرية بمثابة توجب قرب التصرف في الآخر بالنسبة إلى الأظهر ، كما لا يخفى.
٢ ـ أقول : لا نتصور قرينية الظاهر للتصرف في غيره مع عدم مزية له على غيره بالدلالة إلا في باب الحكومة ، وإلا ففي باب التخصيص لا محيص من التفاضل في الظهور بمقدار يصير التصرف في غيره قريبا عرفيا ، كما أشرنا إليه.