في عالم الجعل والتشريع ، فتأمل جيدا.
المبحث الثاني
في الفرق بين التعارض والتزاحم
وحاصله : أن التزاحم وإن كان يشترك مع التعارض في عدم إمكان اجتماع الحكمين ، إلا أن عدم إمكان الاجتماع في التعارض إنما يكون في مرحلة الجعل والتشريع ، بحيث يمتنع تشريع الحكمين ثبوتا ، لأنه يلزم من تشريعهما اجتماع الضدين أو النقيضين في نفس الامر.
وأما التزاحم : فعدم إمكان اجتماع الحكمين فيه إنما يكون في مرحلة الامتثال بعد تشريعهما وإنشائهما على موضوعهما المقدر وجوده وكان بين الحكمين في عالم الجعل والتشريع كمال الملائمة من دون أن يكون بينهما مزاحمة في مقام التشريع والانشاء (١) وإنما وقع بينهما المزاحمة في مقام الفعلية بعد تحقق الموضوع خارجا ، لعدم القدرة على الجمع بينهما في الامتثال ، فيقع التزاحم بينهما لتحقق القدرة على امتثال أحدهما ، فيصلح كل منهما لان يكون تعجيزا مولويا عن الآخر ورافعا لموضوعه ، فان كل تكليف يستدعي حفظ القدرة على متعلقه
__________________
١ ـ أقول : جعل الحكم وإنشائه في مقام التشريع على موضوعه المقدر وجوده إن كان قابلا للتحقق ولو لم ينته إلى مرحلة الفعلية الامتثالية ، فلازمه جواز الجعلين حتى في صورة ملازمة امتثال أحدهما لتعجيز الآخر. وإن لم يكن قابلا للتحقق إلا في صورة انتهاء أمره إلى الفعلية ، فكيف يكون مجعولان بينهما الملائمة في ظرف العجز عن امتثال أحدهما ولو من باب الاتفاق؟ بل لا محيص من تقيد إطلاق هذا الجعل بصورة القدرة ، فينتهي الامر حينئذ في صورة العجز عن امتثال أحدهما ولو من باب الاتفاق إلى الجزم بعدم أحد الجعلين واقعا ، كما لا يخفى ، فتدبر.