ويمتنع جعله في نفس الامر ولكن بعد أن يكون كل منهما واجدا لشرائط الحجية ، فلو علم بكذب أحد الدليلين لمكان العلم بكون أحدهما غير واجد لشرائط الحجية واشتبه بما يكون واجدا لشرائطها كان ذلك خارجا عن باب التعارض (١) بل يكون من اشتباه الحجية باللا حجية ، ولا يأتي فيه أحكام التعارض ، وإنما يعمل فيه ما تقتضيه قواعد العلم الاجمالي.
وفي حكم ذلك ما إذا علم بعدم تشريع مؤدى أحد الدليلين مع إمكانه ثبوتا ، كما إذا كان مؤدى أحد الدليلين وجوب الدعاء عند الهلال وكان مؤدى الآخر وجوب دية الحر في قتل العبد المدبر وعلم بكذب مضمون أحدهما ، فإنه أيضا ليس من باب التعارض ، بل من باب اشتباه الحجية باللا حجة ، ويعمل على ما يقتضيه العلم الاجمالي.
فظهر : أنه مجرد العلم بكذب أحد الدليلين صدورا أو مضمونا لا يكفي في وقوع التعارض بينهما ، بل يعتبر في وقوع التعارض بين الدليلين أمران : أحدهما : أن يكون كل منهما واجدا لشرائط الحجية ، ثانيهما : أن يمتنع اجتماع مدلولهما ثبوتا
__________________
١ ـ أقول : باب اشتباه الحجة باللا حجة لا يحتاج إلى العلم بكذب أحدهما ، بل هو صورة العلم بعدم عدالة أحد الراويين أو صدور أحدهما تقية ولو علم بصدورهما عن الامام عليهالسلام وهذه الجهة غير صورة العلم بكذب أحد الدليلين مع العلم بعدالتهما وعدم إعمال التقية فيهما ، ففي هذه لا محيص من كونه من باب التعارض. وحينئذ ففي فرض العلم بعدم تشريع أحد الحكمين ولو من الخارج ـ كمثال الهلال ودية الحر ـ يدخل في باب التعارض ولو بالعرض ، نظير ما اعترف به : من وجوب صلاة الظهر والجمعة. ولا أظن أن أحدا يرى الفرق بين المثالين إلا في وحدة سنخ الحكم في الثاني دون الأول ، وإلا فمع اشتراكهما في إمكان تشريع الحكمين ذاتا وامتناعه عرضا ـ الذي هو ملاك التعارض بالعرض بين الدليلين ـ لا يبقى مجال التفرقة بينهما ، ولقد تقدم منه سابقا أيضا نظير هذا الكلام في الاستصحابين المثبتين ، وتخيل أن اتحاد سنخ الحكم أيضا له دخل في تعارضهما ، وجعل المختلفان مضمونا داخلا في فرض العلم بكذب أحدهما بلا تعارض بينهما ، ولعمري! إن مثل هذه الدعوى مختص بمن لا يسئل عما يفعل ، وإلا فشأن القوم أجل من هذه الدعاوي! فتدبر.