البراءة.
فتحصل من جميع ما ذكرنا : أنه لا يعتبر في حسن الاحتياط عقلا عدم قصد الوجه والتمييز ونحو ذلك.
نعم : يعتبر في حسن الاحتياط عقلا عدم التمكن من إزالة الشبهة ، فان مراتب الامتثال عقلا أربعة : الأول : الامتثال التفصيلي. الثاني : الامتثال الاجمالي. الثالث : الامتثال الظني. الرابع : الامتثال الاحتمالي. ولا يجوز الانتقال إلى المرتبة اللاحقة إلا بعد تعذر المرتبة السابقة ، فإنه فيما عدا المرتبة الأولى لا يمكن قصد امتثال الامر التفصيلي حال العمل ، ويعتبر في حسن الطاعة الاحتمالية عدم القدرة على الطاعة التفصيلية ، ولا يحسن من المكلف في مقام الطاعة قصد الامر الاحتمالي مع التمكن من قصد الامر القطعي التفصيلي ، لان حقيقة الطاعة هي أن تكون إرادة العبد تبعا لإرادة المولى بانبعاثه عن بعثه وتحركه عن تحريكه ، وهذا يتوقف على العلم بتعلق البعث والتحريك نحو العم ، ولا يمكن الانبعاث بلا توسيط البعث الواصل إلى المكلف ، والانبعاث عن البعث المحتمل ليس في الحقيقة انبعاثا (١) فلا يكاد يتحقق حقيقة الطاعة والامتثال إلا بعد العلم بتعلق البعث نحو العمل ليكون الانبعاث عن البعث.
نعم : الانبعاث عن البعث المحتمل أيضا مرتبة من العبودية ونحو من الطاعة
__________________
١ ـ أقول : هذا البرهان يقتضي عدم صحة الامتثال والإطاعة الاحتمالية مطلقا ، لان الانبعاث عن الامر المحتمل ليس حقيقة انبعاثا ، مع أنه لم يلتزم به ، فلا محيص من أن يقال : إنه لا قصور في صدق الانبعاث من قبل الامر ، تارة جزما وأخرى رجاء ، ومرجع الأخير إلى جعل أمره المحتمل داعيا له في الحقيقة لان يتحرك الشخص من قبل أمره ، غاية الامر تحريك أمره إياه بواسطة مجرد احتماله ، كما هو الشأن في أمره الجزمي. وبعبارة أخرى : شرط محركية الامر إياه التفاته إليه بنحو التعين أو بنحو الاحتمال ، فالتعين والاحتمال واسطتان لتحريك الامر ، ففي الصورتين لا يكون انبعاثه إلا من قبل بعثه ، وعليه فلا يصلح هذا البرهان للترتب المزبور ، ولا وجه آخر غير المصادرة ، فتدبر.