اليقين بما هو هو ، وعلى فرض أن يكون لليقين أثر شرعي ، فليس المراد من قوله عليهالسلام في أخبار الباب : « لا تنقض اليقين بالشك » نقض أثر اليقين ، فان ذلك أجنبي عن معنى الاستصحاب ، فإضافة النقض إلى اليقين لا يمكن أن تكون بلحاظ نفس وصف اليقين ، بل إنما تكون بلحاظ ما يستتبع اليقين من الجري على ما يقتضيه المتيقن حكما كان أو موضوعا.
لا أقول : إن المراد من اليقين المتيقن ، بحيث استعير للمتيقن لفظ اليقين ويكون قد أطلق اليقين وأريد منه المتيقن مجازا ، فان ذلك واضح الفساد ، بداهة أنه لا علاقة بين اليقين والمتيقن ، فاستعمال أحدهما في مكان آخر كاد أن يلحق بالأغلاط.
فما يظهر من الشيخ قدسسره في المقام : من أن المراد من اليقين نفس المتيقن مما لا يمكن المساعدة عليه ، ولابد من توجيه كلامه بما يرجع إلى ما ذكرنا : من أن المراد من نقض اليقين نقضه بما أنه يستتبع الحركة على وفق المتيقن ، فأخذ اليقين في الاخبار إنما يكون باعتبار كونه كاشفا وطريقا إلى المتيقن لا بما أنه صفة قائمة في النفس ، فعناية النقض إنما تلحق اليقين من ناحية المتيقن. بل يمكن أن يقال : إن شيوع إضافة النقض إلى اليقين دون العلم والقطع إنما يكون بهذا الاعتبار ، فإنه لم يعهد استعمال النقض في العلم والقطع ، فلا يقال : « لا تنقض العلم والقطع » وليس ذلك إلا لأجل أن العلم والقطع غالبا يكون إطلاقهما في مقابل الظن والشك ، وهذا بخلاف اليقين ، فان إطلاقه غالبا يكون بلحاظ ما يستتبعه من الجري على ما يقتضيه المتيقن والعمل على طبقه ، فالنظر إلى اليقين غالبا يكون طريقا إلى ملاحظة المتيقن ، بخلاف النظر إلى العلم والقطع.
وبالجملة : لا إشكال في أن العناية المصححة لورود النقض على اليقين إنما هي باعتبار استتباع اليقين الجري العملي على المتيقن والحركة على ما يقتضيه ،