فالتحقيق : أن الاعتباريات العرفية ليست من المنتزعات ، بل هي متأصلة بالجعل قد أمضاها الشارع ، والتكليف إنما ينتزع منها ، وقد استقصينا الكلام في ذلك في باب الامارات.
ـ الامر الخامس ـ
قد تقدم منا مرارا : أن المجعولات الشرعية ليست من القضايا الشخصية الخارجية ، بل هي من القضايا الكلية الحقيقية التي يفرض فيها وجود الموضوعات في ترتب المحمولات عليها (١) وهذا من غير فرق بين الأحكام التكليفية التأسيسية وبين الأحكام الوضعية الامضائية ، غايته أن موضوعات التكاليف إنما تكون من المخترعات الشرعية كنفس التكاليف ، فان العاقل البالغ المستطيع لا يكاد يكون موضوعا لوجوب الحج ما لم يجعله الشارع موضوعا ليترتب عليه وجوب الحج.
وأما موضوعات الأحكام الوضعية : فقد تكون تأسيسية ، وقد تكون إمضائية كنفس الحكم الوضعي.
فالأول : كأخذ السيادة والفقر موضوعا لتملك السادات والفقراء الخمس والزكاة ، فإنه لو لم يعتبر الشارع ذلك لا تكاد تكون السيادة والفقر موضوعا للتملك.
والثاني : كالعقد والسبق والرماية وحيازة المباحات ونحو ذلك من الموضوعات والأسباب العرفية للملكية ونحوها من الاعتباريات ، فان السبب الشرعي للملكية في هذه الأمور هو السبب العرفي ، غايته أن الشارع تصرف فيه بزيادة قيد أو نقصانه ، وليست ماهية السبب من المخترعات الشرعية. وعلى
__________________
١ ـ أقول : قد مر منا مرارا أيضا أن إدخال القضايا الطلبية والتكليفية في القضايا الحقيقية لا يخلو عن تعسف ، وربما نشير إليه بعد ذلك أيضا ( إن شاء الله تعالى ).