خاصة. وقد أتعب نفسه الزكية في كثير من الموارد في تعيين ما هو المنشأ لانتزاع بعض الوضعيات ، كالطهارة والنجاسة ولزوم العقد والحجية ونحو ذلك ، لأنه ليس في هذه الموارد حكم تكليفي قابل لان يكون منشأ لانتزاعها ، إذ ما من حكم تكليفي إلا ويشترك فيه مورد آخر : فأي حكم تكليفي يمكن انتزاع لزوم العقد منه؟ فان حرمة التصرف فيما انتقل عنه يشترك فيها الغصب أيضا ، فلا يمكن أن تكون حرمة التصرف فيما انتقل عنه منشأ لانتزاع لزوم العقد ، إلا بأن يقيد عدم جواز التصرف بما بعد الفسخ.
وبالجملة : ليس من الأحكام الوضعية ما يختص بحكم تكليفي لا يشاركه غيره فيه ، فكيف يكون منشأ لانتزاعه بخصوصه؟ ودعوى أن الحكم الوضعي ينتزع من جملة من الأحكام التكليفية التي بجملتها تختص به كما ترى! مع أن هذا أيضا في بعض المقامات لا يمكن ، فان الحجية والطريقية من الأحكام الوضعية التي ليس في موردها حكم تكليفي قابل لانتزاع الحجية منه (١) كما أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه في حجية الظن ، ولذلك التزم في بعض الوضعيات بأنها من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع ، كالطهارة والنجاسة.
وليت شعري! أنه ما الداعي إلى تبعيد هذه المسافة وإتعاب النفس بتلك المثابة؟ وما المانع من أن تكون هذه الأمور متأصلة بالجعل في وعاء الاعتبار ويكون وجودها التكويني بعين وجودها الاعتباري؟ والذي يدل على ذلك هو أن مثل هذه الاعتباريات متداولة عند من لم يلتزم بشرع وشريعة كالدهري والطبيعي مع أنه ليس عنده إلزام وتكليف يصح انتزاع هذه الأمور منه.
__________________
١ ـ أقول : ما أفيد كذلك في الحجية بمعنى الوسطية للاثبات ، وإلا فبمعنى المنجزية والمعذرية فلا محيص من انتزاعها من التكليف ، كما حققناه في جعل الطرق بعد توضيح فساد مجرد جعل الوسطية تنزيلا للمنجزية ، وتوضيحه موكول إلى محله.