ثم إن وجوب تقديم العمل بمؤدى الحجة على الاحتياط إنما هو فيما إذا كانت الحجة محرزة للواقع : من امارة أو أصل تنزيلي.
وأما إذا كانت غير محرزة ـ كالأصول الغير التنزيلية ـ فلا يجب تقديم العمل بمؤداها على الاحتياط : إذ ليس مفاد الأصل الغير المحرز ثبوت المؤدى واقعا ولا إلقاء احتمال الخلاف ، بل مفاد اعتباره مجرد تطبيق العمل على مؤداه والجري على ما يقتضيه ، وتطبيق العمل على المؤدى لا ينافي رعاية احتمال الخلاف والعمل بما يوجب إحراز الواقع ، قدمه على العمل بمؤدى الأصل أو أخره.
هذا كله في الحجة التي قام الدليل على اعتبارها بالخصوص. وأما إذا كان اعتبارها بدليل الانسداد المستنتج منه حجية مطلق الظن ، فان قلنا بالكشف فحكمه حكم الامارة والأصل المحرز : من وجوب تقديم العمل بمؤدى الظن على العمل بالاحتياط ، وإن قلنا بالحكومة فحكمه حكم الأصل الغير المحرز : من عدم وجوب ذلك ، ولا يخفى وجهه.
قد خالف في حسن الاحتياط في العبادات جملة من الفقهاء تبعا لقاطبة المتكلمين ، بتوهم : أن الاحتياط فيها يستلزم الاخلال بقصد الوجه المعتبر في العبادة ، وعلى هذا بنوا بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد والعمل
__________________
صورة التمكن منه في العمل الذي يأتي به بداعي الاحتمال ، وأما العمل الذي لا يمكن أن يأتي به إلا بداعي الاحتمال ، فلا ينبغي الاشكال في حسن الاتيان بداعي الاحتمال ، وفي المثال بعد قيام الطريق على وجوب صلاة الجمعة لا يمكن فعل الظهر إلا بداعي الاحتمال ، قدمها على صلاة الجمعة أو أخرها ، وتمكنه من الامتثال التفصيلي في صلاة الجمعة لا يوجب التمكن من ذلك في صلاة الظهر ، فالمقام أجنبي عن مسألة اعتبار الامتثال التفصيلي وتقدم رتبته على الامتثال الاحتمالي ، فتأمل جيدا ( منه ).