أن تكون الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنة كلها أخبارا عن الصلاح والفساد من دون أن يكون فيها شائبة الانشاء ، وهذا مما لا يرضى به المنصف ، وكيف يرضى أن يكون قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة » الخ إخبارا عن اشتمال الصلاة والزكاة على المصلحة؟.
هذا مع أنه لم يظهر لنا وجه الالتزام بذلك ، فإنه إن كان الوجه هو عدم إمكان قيام الإرادة والكراهة في المبدأ الاعلى وإلا يلزم أن يكون محلا للحوادث ـ تعالى عن ذلك ـ فهذا مع فساده في نفسه لا يلزم منه عدم الجعل والتشريع وإنكار أصل الإرادة والكراهة ، فإنه لا أقل من قيام الإرادة والكراهة في النفس النبوية صلىاللهعليهوآلهوسلم بعدما يوحى أو يلهم إليه اشتمال الفعل على المصلحة والمفسدة ، فتنقدح في نفس الشريفة إرادة الفعل أو كراهته فيأمر به أو ينهى عنه ، وقد التزم به المحقق الخراساني قدسسره فأنكر قيام الإرادة والكراهة في المبدأ الاعلى وقال : إن الإرادة والكراهة إنما تكون في بعض المبادئ العالية ، والالتزام بذلك وإن كان أهون من إنكار الإرادة والكراهة مطلقا والقول بعدم الجعل والتشريع أصلا ، إلا أنه لا داعي إلى الالتزام به أيضا.
وعلى كل حال : تقسيم الاحكام إلى الوضعية والتكليفية يتوقف على القول بثبوت الجعل الشرعي ، ليكون من مقولة التكليف تارة ، ومن مقولة الوضع أخرى ، فتأمل جيدا.
ـ الامر الثاني ـ
قد وقع الخلط في جملة من الكلمات بين الأمور الاعتبارية والأمور الانتزاعية ، حتى أن الشيخ قدسسره قد عبر عن الأمور الاعتبارية بالانتزاعية وجعل الانتزاعيات مرادفة للاعتباريات.