ولكن التحقيق : أن الأمور الاعتبارية مباينة للأمور الانتزاعية ، فان وعاء الاعتبار يباين وعاء الانتزاع.
وتوضيح ذلك : هو أن الشيء تارة : يكون تقرره ووجوده في وعاء العين بحيث يكون بنفسه من الثابتات في الأعيان الخارجية سواء كان من المجردات أو من الماديات.
وأخرى : يكون تقرره ووجوده في وعاء الاعتبار ، فيكون تقرره وثباته بيد من ينفذ اعتباره ، فهو متأصل في عالم الاعتبار ، كما أن الأول كان متأصلا في عالم الأعيان ، غايته أن تأصل الأول ووجوده إنما يكون بتعلق الإرادة التكوينية الإلهية به ، وتأصل الثاني إنما يكون باعتباره ، فهو يوجد بنفس اعتبار من بيده الاعتبار ، كاعتبار السلطان سكة الدراهم والدنانير ، فان السكة المضروبة على الدراهم والدنانير لا مالية لها في حد ذاتها وإنما تكون ماليتها بنفس اعتبار السلطان لها ، ولمكان نفوذ اعتباره يثبت للسكة مالية.
وثالثة : لا يكون للشئ نحو تقرر ووجود لا في وعاء العين ولا في وعاء الاعتبار ، بل يكون وجوده بانتزاعه عن منشأ الانتزاع ، فهو بنفسه لا تقرر له ، وإنما التقرر لمنشأ الانتزاع ، سواء كان منشأ الانتزاع من الأمور التي لها تقرر في وعاء العين أو كان لها تقرر في وعاء الاعتبار ، فان يصح الانتزاع عن كل من الموجود في عالم الأعيان والموجود في عالم الاعتبار. فالأول : كانتزاع العلية والمعلولية من العلة والمعلول الخارجي التكويني ، والثاني : كانتزاع السببية من العقد الذي صار سببا للملكية والزوجية في عالم الاعتبار ، إذ ليس العقد سببا للملكية تكوينا ، فان الملكية لا وجود لها إلا في وعاء الاعتبار ، فسببها أيضا يكون من الأمور الاعتبارية لا محالة.
وحاصل الكلام : أن الأمور الانتزاعية إنما تكون من خارج المحمول ليس لها ما بحذاء في الخارج ، سواء كان انتزاعها من مقام الذات كالعلية والامكان