والوجوب والامتناع المنتزعة من ذات العلة والممكن والواجب والممتنع بالذات ، أو كان انتزاعها من قيام أحد المقولات التسع بمحله كالفوقية والتحتية والقبلية والبعدية الزمانية والمكانية ، فان الفوقية ليست من مقتضيات ذات الفوق ، بل لأجل قيام خصوصية في الفوق أوجب انتزاع الفوقية منه ، وكذا التحتية والقبلية والبعدية ونحوها.
وهذا بخلاف الأمور الاعتبارية ، فان لها في نفس الامر نحو تقرر وثبات ويكون لها وجود في الخارج (١) غايته أن تقررها النفس الأمري يتحقق بعين
__________________
١ ـ أقول : إن الوجودات الاعتبارية بعدما كانت قوامها بالاعتبار فينبغي شرح حقيقة الاعتبار ، فنقول : إنه لا يكون إلا ما يكون قوام وجوده باللحاظ بحيث لو لم يكن في البين لحاظ لا يكون في البين اعتبار أصلا ، ثم بعد لحاظ شيء مطلقا أو منوطا بوجود شيء ما لم يقصد ثبوته مطلقا أو منوطا بشيء بانشاء مفهومه المسمى بجعله لا يكاد يتحقق وجوده في عالمه ، فإذا تحقق مثل هذا الجعل يعتبر العقل وجوده ، ولكن ليس هذا الوجود موطنه إلا الذهن ، لان متعلق اللحاظ والجعل ليس إلا ما يرى في ذهنه ، غاية الامر لا بوصف ذهنيته ، بل في لحاظه يرى خارجيا ، ولكن مجرد ملاحظته كذلك لا يخرجه عن الذهنية إلى الخارجية ، وحينئذ جميع الأمور الاعتبارية لا يكون الخارج موطن نفسها ، بل إنما موطن مصحح اعتباره من الانشاء اللفظي أو القولي ، ولذا نقول : لا واقعية للاعتباريات إلا بواقع مصحح اختراعه : من الانشاء المتقوم باللحاظ ، كيف! وربما يكون الامر الاعتباري مثل الملكية قائمة بنفس الكلي بوصف كليته التي لا موطن له إلا الذهن ، كما أنه لو فرض في مورد قيامه بأمر خارجي يحصل به إحداث خصوصية خارجية غير متقوم باللحاظ في هذا الشئ. وعليه فما أفيد : من أن الأمور الاعتبارية بنفسها لها وجود خارجي لا نفهم معناه ، كيف! ولا يكون المجود الخارجي إلا ما هو موجود في خارج الذهن واللحاظ بحيث لو لم يكن في العالم لاحظ كان الخارج ظرفا لنفسه ، مع أنه ليس كذلك جزما ، كيف! ولو لم يكن لاحظ أين وجود كلي بوصف كليته معروض ملكية شخص؟ وحينئذ فما أفاد من الفرق بين الأمور الاعتبارية والانتزاعية من هذه الجهة لا معنى له ، وإنما الفرق بينهما من جهة أن الاعتباريات تابع جعل وإنشاء وأن الجعل مصحح اعتبارها ، وفي الأمور الانتزاعية ليس مصحح الانتزاع جعله ، بل هو قهري حاصل في موطنه ، وربما يكون الامر الاعتباري منشأ انتزاع مفهومه ، كمفهوم الملكية بالنسبة إلى حقيقته ، ففي مثله يكون منشأ الانتزاع والمنتزع كلاهما في موطن الذهن ، غاية الامر يفترقان بخصوصية المنشأ والمصحح والتعقل الأولي والثانوي ، كما لا يخفى.