على الجهة الثانية رتبة والجهة الثانية متقدمة على الجهة الثالثة كذلك.
نعم : للعلم جهة رابعة ، وهي : كونه مقتضيا للتنجز عند المصادفة والمعذورية عند المخالفة ، وهذه الجهة إنما تكون في عرض اقتضائه الحركة والجري العملي (١) فالجهة الثالثة والرابعة مما يقتضيهما العلم من الجهة الثانية ، وهي : الاحراز والكاشفية.
إذا تبين ذلك ، فنقول : إن المجعول في باب الطرق والامارات إنما هو الطريقية والكاشفية والوسطية في الاثبات ، بمعنى : أن الشارع جعل الامارة محرزة للمؤدى وطريقا إليه ومثبتة له ، بناء على ما هو التحقيق عندنا : من أن الطريقية بنفسها تنالها يد الجعل كسائر الأحكام الوضعية ، بل الطريقية أيضا كالملكية والزوجية من الأمور الاعتبارية العرفية التي أمضاها الشارع (٢) فان
__________________
١ ـ أقول : وربما يكون في باب امتثال الاحكام جهة التحريك في طول المحركية ، حيث إن العقل لا يحكم بالحركة على وفقه إلا من جهة تنجيز الحكم به ، كما هو ظاهر.
٢ ـ أقول : الطريقية بمعنى تتميم الكشف وتمامية الانكشاف المساوق لالقاء الاحتمال بحقيقته يستحيل أن تناله يد الجعل تشريعا ، كيف! وحصر الكشف في طرف وجود الشيء ونفي احتمال عدمه الذي هو معنى تتميم كشفه يستحيل أن يكون بحقيقته جعليا ، وإنما الجعل فيه بمعنى تنزيل احتمال خلافه منزلة العدم ، وهذا المعنى من الجعل قابل لان يتعلق بجميع موجودات العالم ، ولا يكون مختصا بشيء دون شيء ، وهذا بخلاف الحقائق الجعلية ، إذ هي بحقائقها أمور مخصوصة متقومة بالجعل ، كالملكية وأمثالها ، وميزان جعلية الشيء كون منشأ انتزاع مفهومه الذي هو عبارة عن حقيقته اعتباريا منوطا بجعله ، كما هو الشأن في الملكية ، وهذا المعنى أجنبي عن مقام تمامية الكشف وعدم احتمال الخلاف ، فان منشأ انتزاع هذا المفهوم ـ كمفهوم الحجر والمدر ـ ليس إلا من الأمور الواقعية ، وإنما الجعل المتصور فيها ليس إلا في وجوداتها التنزيلية لا الحقيقية ، ولذا نقول : إن الحجية بمعنى الكاشفية لا يكون من الجعليات إلا بنحو من العناية والتنزيل.
نعم : قد يتوهم أن الحجية بمعنى المنجزية والقاطعية للعذر من الحقائق الجعلية ، كما هو مسلك استاذنا ، وهذا المعنى عنده لا يلازم عناية تتميم الكشف ، ولذا لم يلتزم به حتى في الامارات فضلا عن الأصول ، ولذا لا يلتزم بقيام الامارة مقام العلم الموضوعي مطلقا ، ولا يلتزم بحكومة الامارات على