نجاسة الملاقي لاحد الانائين في المثال الأخير ، لعدم جريان استصحاب النجاسة فيهما ليحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما ، وسيأتي في أواخر الاستصحاب مزيد توضيح لذلك مع بعض ما يرد عليه من النقوض والجواب عنها.
فتحصل مما ذكرنا : أن المانع من جريان الأصول التنزيلية في أطراف العلم الاجمالي ليس هو انتفاء الموضوع ولا المخالفة العملية ، بل لان المجعول فيها معنى لا يعقل ثبوته في جميع الأطراف.
وأما الأصول الغير التنزيلية ـ كأصالة الطهارة والبرائة والحل ونحو ذلك ـ فلا
__________________
ظرف شكه كيف ينافي مع العلم بعدم بقاء السابق بعنوانه الاجمالي؟ إذ الاحراز التعبدي في كل مشكوك تفصيلي كيف ينافي مع إحراز عدمه بعنوانه الاجمالي؟ فكما أن هذا الاحراز الوجداني لا ينافي الشك فيه ولا عدم إحرازه بعنوانه التفصيلي ولو كانا في الواقع متحدين وجودا ـ مع أن الشك واليقين من المتضادات ـ فكيف يضاد مثل هذا اليقين الوجداني الاجمالي ما هو من أحكام هذا الشك القائم بعنوانه التفصيلي المعبر عنه بالاحراز التعبدي. نعم : لو كان اليقين الاجمالي قابلا للسريان إلى العنوان التفصيلي واقعا ، كان لما أفيد وجه ، إذ الاحراز التعبدي لا يعقل مع إحراز عدم الحالة السابقة إجمالا في مورد واحد ، وأما بعد بداهة عدم السراية ـ بشهادة اجتماع الشك واليقين في وجود واحد خارجي بتوسط العناوين الاجمالية والتفصيلية ـ لا مجال لانكار الجمع بين إحراز نجاسة كل منهما تفصيلا تعبدا مع العلم بطهارة أحدهما بهذا العنوان الاجمالي ، وحينئذ لا مانع في مثل هذه الأصول أيضا إلا مجرد المخالفة العملية ، وسيجئ توضيح هذه الجهة أيضا عند تعرضه في محله حسب وعدته ( إن شاء الله تعالى ).
وبالجملة نقول : إن ما أفيد من الجزم بانقلاب اليقين السابق بيقين بضده ، ومع هذا الجزم الوجداني كيف يعقل الحكم ببقاء اليقين السابق تعبدا في الطرفين؟ يسئل منه : أن ما هو منقلب إلى اليقين بالخلاف هو اليقين بنجاسة كأس زيد أو اليقين بنجاسة كأس عمرو بعنوانهما التفصيلي ، حاشا! بل المنقلب هو أحد اليقين أو اليقين بأحدهما بهذا العنوان الاجمالي.
ومن المعلوم أيضا : أن موضوع الابقاء التعبدي ليس اليقين بأحدهما ولا أحد اليقينين بهذا العنوان الاجمالي بل الموضوع هو اليقين بكأس زيد واليقين بكأس عمرو ، وفي هذين لانقطع بانقلابه إلى اليقين بالخلاف، فلا وجه لعدم شمول دليل التعبد لهما بهذين العنوانين التفصيليين ، كما لا يخفى.