المكلف نسيانا ، بأن يفرض عدم وقوع الفعل منه وخلو صفحة الوجود عنه ، فالمرفوع في حق من شرب الخمر نسيانا هو نفس الشرب ، لا وصف صدوره عن نسيان ، ورفع الشرب إنما يكون بلحاظ رفع الآثار المترتبة شرعا على شرب الخمر : من الحرمة وإقامة الحد ، ورفع الشرب بهذا الوجه يكون موافقا للامتنان ويوجب التوسعة والتسهيل.
وعلى هذا يختص الحديث الشريف بالأحكام الانحلالية العدمية التي لها تعلق بالموضوعات الخارجية ، كحرمة شرب الخمر وإكرام الفاسق وغيبة المؤمن ، فإنه في مثل ذلك يصح رفع أثر الاكرام والشرب والغيبة الصادرة عن نسيان.
وأما التكاليف الوجودية التي يكون المطلوب فيها صرف الوجود ـ كوجوب إكرام العالم وإقامة الصلاة ـ فلا يمكن أن يعمها حديث الرفع ، لان رفع الاكرام والصلاة الصادرين عن نسيان يساوق إعدامهما في عالم التشريع وفرض عدم صدورهما عن المكلف ، وذلك يقتضي إيجابهما ثانيا ، وهو ينافي الامتنان ، فلابد من خروج الاحكام الوجودية عن مدلول الحديث.
وبذلك يظهر : فساد توهم دلالة قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « رفع النسيان » على سقوط جزئية الجزء المنسي ووقوع الطلب فيما عداه ، فإنه يرد عليه :
__________________
ولذا نقول : إنه كما يستحيل صدق رفع أول وجود الشيء حقيقة ، فكذلك تنزيلا ، لان الرفع التنزيلي تقوم مقام الرفع الحقيقي ، فلا جرم لا يصح الرفع التنزيلي إلا بالنسبة إلى بقاء الوجود لا حدوثه ، والعجب من المقرر! كيف خلط في احتياج الرفع إلى الوجود بين الوجود الواقع في مواطن الرفع وبين الوجود السابق عن موطنه وتخيل أن في الوجود المصحح لصدق يكفي الوجود الواقع في مواطن الرفع الذي بعناية عين العدم ، ليس كذلك ، بل الوجود المحتاج إليه في صدقه هو الوجود السابق عن موطن الرفع ، وحينئذ لا فرق بين التكاليف الوجودية والعدمية.