وما ربما يظهر من بعض : من تسمية ما نحن فيه بالانحلال التعبدي ، فليس
__________________
ومن هذه الجهة نقول : إنه لا معنى لانحلال العلم الاجمالي في المقام حقيقة ، وإنما كان كذلك في انحلال العلم في باب الأقل والأكثر. فإنه لا مجال لتوهم بقاء العلم على إجماله ، لعدم احتمال كونه غير المعلوم تفصيلا ، فلا محيص في مثله بأن كان من قبيل ضم مشكوك بمعلوم.
ثم لا يخفى أن كل علم أو طريق إنما يتنجز التكليف في ظرف وجوده ، لا أنه بحدوثه يحدث التنجز إلى الأبد وإن زال العلم أو الطريق ، وحينئذ سبق العلم التفصيلي بالتكليف مثلا لا يجدي شيئا في المقام ، لان تأثيره السابق في تنجز معلومه غير مرتبط بتنجز العلم الاجمالي ، وما هو مضر به هو بقاء تأثيره إلى حين العلم الاجمالي ، ومن هذه الجهة يجري عليه حكم المقارن ، كما أن المدار في باب الانحلال العلم بالتكليف الفعلي المردد بين كونه عين المعلوم تفصيلا أم غيره وإن لم يعلم بحدوث التكليف من قبل العلم بسببه ، إذ المدار ليس على العلم بحدوث التكليف جديدا ، بل تمام المدار بالعلم بوجود التكليف حين حدوث السبب ، وذلك بعينه موجود حينه ، وحينئذ لا يبقى في البين مجال توهم ذهاب العلم الاجمالي بوجود العلم التفصيلي وانقلابه إليه حقيقة ، وعليه فلا محيص من الالتزام بمنع العلم التفصيلي علن تأثير العلم الاجمالي ، لا عن نفسه ، كما هو الشأن في الانحلال بالامارة والأصل المثبت للتكليف ، ولا نعني من الانحلال الحكمي إلا ذلك : وحيث اتضح لك ذلك نقول :
إن عمدة وجه المنع عن تأثير العلم الاجمالي ليس إلا جهة منجزية العلم التفصيلي الحاصل من حين وجوده حال العلم الاجمالي ، وإلا فتأثيره في الزمان السابق غير مضر بالعلم ، كما عرفت. وعليه فنقول أيضا : إن من المعلوم أن لتكليف واحد لا يتصور إلا تنجز واحد ، ومع قيام العلم التفصيلي مقارنا للعلم الاجمالي يحتمل اتحاد التكليف الغير القابل لتأثير العلم ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مجال لحكم العقل بمنجزية العلم الاجمالي ، إذ معنى منجزية العلم الاجمالي كونه مؤثرا في المعلوم على الاطلاق ، وهذا المعنى غير معقول ، فلا يبقى في البين إلا كون العلم موترا على تقدير ، ومن المعلوم : أن التكليف على تقدير لا يكون متعلق العلم ، بل هو مشكوك تفصيلا ، فما هو معلوم ليس إلا معنى قابلا للانطباق في كل طرف ، وهذا المعنى يستحيل تنجزه من قبل العلم الاجمالي ، وما هو قابل للتنجز هو التكليف المحتمل في الطرف الآخر ، وهو ليس معلوما إجمالا ، لعدم قابلية انطباقه على الطرف المعلوم تفصيلا ، ومن هذه الجهة يسقط العلم عن السببية في الاشتغال وجعل المعلوم في عهدة المكلف ، فصار وجوده كالعدم ، فلا بأس حينئذ بجريان الأصول النافية في الطرف الآخر ، ففي الحقيقة وجه جريان الأصل النافي في المقام من جهة سقوط الأصل عن التأثير ، لا من جهة صرف عدم المعارضة ، كما توهم. وهذا معنى كون الانحلال موجبا للتصرف في مرتبة الاشتغال ، كما أشرنا إلى الفرق بينه وبين جعل