والحاصل : أن مجرد عدم صحة الجمع في إجراء الأصلين المتعارضين لا يوجب الحكم بالتخيير بينهما ، فان الحكم التخييري كسائر الاحكام يحتاج إلى قيام الدليل عليه. وقياس باب الأصول العملية بباب الامارات على القول بالسببية فيها ليس في محله ، لما عرفت من أن التخيير في العمل بإحدى الامارتين المتعارضتين على ذلك القول إنما هو لأجل أن المجعول في الامارات يقتضي التخيير في صورة التعارض لاندراجها في باب التزاحم الذي قد عرفت أن التخيير فيه ينشأ من ناحية المجعول ، بالبيان المتقدم ، وأين هذا من باب الأصول العملية المجعولة وظيفة للشاك في الحكم أو الموضوع؟.
فظهر : أن القول بالتخيير في إجراء أحد الأصلين المتعارضين مما لا دليل عليه ، وإنما أطلنا الكلام في ذلك ، لان شبهة التخيير قد غرست في أذهان بعض طلبة العصر ، وبعد البيان المتقدم لا أظن بقاء الشبهة في الأذهان (١) وسيأتي في آخر الاستصحاب مزيد توضيح لذلك.
فتحصل مما ذكرنا : أن القاعدة في مورد تعارض الأصول تقتضي السقوط ، ويبقى التكليف المنجز المعلوم بالاجمال على حاله (٢) والعقل يستقل بوجوب
__________________
الإرادة السببية على خلافه.
١ ـ أقول : ولكن لاكل ما يتمنى المرء يدركه! إذ قد تقدم بطلانه بما لا مزيد عليه.
٢ ـ أقول : بعدما كان العلم الاجمالي في ظرف عدم الانحلال لا قصور في سببيته ، لاشتغال ذمة المكلف بالمعلوم ، وفي هذه المرحلة لا يكون قابلا لمنع المانع بشهادة ارتكاز الذهن من التناقض بين الالزام المعلوم وترخيصه على ترك هذا المعلوم بنحو الاجمال ، بعين التناقض الذي يرى العقل في هذا الترخيص في العلم التفصيلي ، فلا محيص من الالتزام بأن العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي علة تامة للاشتغال. ولئن شئت فعبر بأن حكم العقل بثبوت التكليف في عهدة المكلف حكم تنجيزي غير قابل لورود ترخيص شرعي مانع عن أصل الاشتغال ، كما هو الشأن في العلم التفصيلي ، وحيث ثبت به الاشتغال المزبور ، ينتهي النوبة إلى مرحلة الفراغ ، وفي هذه المرحلة أيضا نقول : إنه لا شبهة في اكتفاء العقل بالفراغ الجعلي ، كما هو الشأن في العلم التفصيلي ، وحينئذ فكل أمارة أو أصل يوجب تعيين مصداق التكليف