هذا كله على القول بحجية الامارات من باب الطريقية.
وأما على القول بحجيتها من باب السببية : فحكم الامارات المتعارضة حكم الاحكام المتزاحمة في وجوب الاخذ بأحدها تخييرا إن لم يكن لاحدها مزية تقتضي تعين الاخذ به.
وظاهر إطلاق كلام الشيخ قدسسره أنه لا فرق في ذلك بين السببية التي توافق مذهب التصويب وبين السببية التي توافق مسلك التخطئة ، بل سوق كلامه يقتضي أن يكون محل البحث خصوص السببية التي توافق مسلك التخطئة.
وتوضيح الكلام في ذلك : هو أن السببية تستعمل بمعنيين :
أحدهما : ما ينسب إلى المعتزلة ، وهو أن قيام الامارة على وجوب شيء أو حرمته سبب لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى غالبة على ما هو عليه تقتضي وجوب المؤدى أو حرمته ، فيكون حال قيام الامارة على الشيء حال تعلق النذر به. وهذا المعنى من السببية لا ينطبق على مذهب المخطئة ، فإنه من أحد وجوه التصويب الذي استقر المذهب على بطلانه.
ثانيهما : ما ينسب إلى بعض الامامية ، وهو أن قيام الامارة على وجوب الشيء أو حرمته وإن لم يكن من العناوين المغيرة للمصلحة أو المفسدة ولا يقتضي وجوب المؤدى أو حرمته ، إلا أن في سلوك الامارة والتطرق بها مصلحة يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع عند عدم إصابة الامارة له (١)
__________________
١ ـ أقول : قد ذكرنا في مسألة تزاحم الأصلين : من أن التصويب المناسب لمذهب المخطئة لا ينحصر بصورة الالتزام بالمصلحة السلوكية ، بل لو فرض قيام المصلحة بنفس العمل لا محيص من الالتزام بوجوب حقيقي في الرتبة المتأخرة عن الواقع ، كما أن الوجوب الواقعي الناشي عن المصلحة القائمة بالذات يستحيل ان يشمل مرتبة متأخرة عن نفسه ، فلا مضادة حينئذ بين الوجوبين ولا نعنى من التصويب الملائم مع المخطئة إلا هذا. وهذا المعنى من السببية أيضا لا أظن إجماعا ولا عقلا على خلافه ، وإنما الاجماع قام