وسلم ـ « رفع النسيان » وإن كان هو رفع نفس صفة النسيان وهي الحالة المنقدحة في النفس ، إلا أنه لا يمكن الاخذ بظاهره ، فإنه ـ مضافا إلى أن النسيان مما لا تناله يد الرفع التشريعي لأنه من الأمور التكوينية الخارجية وليس هناك أثر اخذ النسيان موضوعا له شرعا لكي يكون رفعه بلحاظ رفع أثره ـ يلزم من ذلك ترتيب آثار الصدور العمدي على الفعل الصادر عن نسيان ، فان معنى رفع النسيان هو كون ما صدر عن المكلف نسيانا كأن لم يصدر عنه عن نسيان ويفرض النسيان كالعدم ، وهذا يقتضي ترتيب آثار الفعل الصادر عن عمد على الفعل الصادر عن نسيان ، فيجب إقامة الحد على من شرب الخمر نسيانا ، وهو كما ترى ينافي الامتنان والتوسعة.
فلا محيص من رفع اليد عما يقتضيه الظاهر الأولي ، بتأويل المصدر بمعنى المفعول وجعل النسيان بمعنى المنسي (١) فيكون المرفوع نفس الفعل الصادر عن
__________________
١ ـ أقول : ينبغي أن يجعل من مقدمات المقصد اختصاص حديث الرفع برفع شيء ـ شخصيا أم أثرا قابل للوجود لولاه ، ولازمه عدم شمول الحديث التكاليف المتعلقة بالمنسي تكليفا أو وضعا منتزعا عن التكليف ، لاستحالة وجود مثل هذا التكليف بمحض تحقق النسيان حذرا عن التكليف بما لا يطاق ، من دون فرق بين التكاليف الانحلالية وغيرها ، ومن هذه الجهة لا محيص من كون المرفوع في أمثال هذه الفقرات إيجاب التحفظ وإيجاب الاحتياط ، ومن البديهي أن إيجاب التحفظ في الجزء المنسي لا يقتضي الاجزاء.
ولو اغمض عن هذه الجهة وقلنا بشمول الحديث للتكاليف الانحلالية ـ كما زعم ـ فلا قصور في دعوى شمول الحديث رفع الفعل المنسي بلحاظ أثره من الجزئية المنتزعة عن تعلق الطلب به بعد فرض وجود المقتضي للوجود فيه الكافي لصدق الرفع في مورده ، كيف! ولولا كفاية هذا المقدار في صدق الرفع يلزم عدم شموله للأحكام الانحلالية أيضا ، لان الفعل المنسي إذا فرض عدم سبقه بالوجود فرفع هذا عين إعدامه ، وفي هذا الاعتبار لا يرى وجودا ، ولازمه صدق رفع المعدوم ، وبعبارة أخرى : قلب أول وجود المنسي بالعدم لا يصدق عليه الرفع ، لان الرفع عبارة عن إعدام الموجود ، وحيث يستحيل جمعهما في زمان واحد فلا محيص من أن ظرف الاعدام الذي هو ظرف الرفع غير ظرف الوجود ، وإذا تعلق الرفع بأول وجود شيء فهذا الوجود بمنزلة المعدوم ، فيصير المقام من باب إعدام المعدوم ، لا الموجود.