الصورة الأولى : ما إذا ورد عام وخاصان متباينان ، كما إذا قام دليل على وجوب إكرام النحويين ، ودليل آخر على عدم وجوب إكرام الكوفيين من النحويين ، وقام دليل ثالث على عدم وجوب إكرام البصريين منهم ، فان النسبة بين كل من قوله : « لا تكرم الكوفيين » و « لا تكرم البصريين » وبين قوله : « أكرم النحويين » هي العموم المطلق ، والنسبة بين قوله : « لا تكرم الكوفيين » وبين قوله : « لا تكرم البصريين » هي التباين ، ولا إشكال في تخصيص العام بكل من الخاصين إذا لم يلزم منه التخصيص المستهجن أو بقاء العام بلا مورد ، وإلا فيقع التعارض بين العام ومجموع الخاصين ، كما إذا قام دليل على وجوب إكرام العلماء ، وقام دليل آخر على عدم وجوب إكرام فساق العلماء ، وقام دليل ثالث على كراهة إكرام عدول العلماء ، فإنه لو خصص قوله : « أكرم العلماء » بكل من قوله : « لا تكرم فساق العلماء » وقوله : « يكره إكرام عدول العلماء » يبقى العام بلا مورد ، ففي مثل ذلك لابد من معاملة التعارض بين
__________________
أقوى دلالة من العام ، فيقدم عليه جمعا.
واما الفرع الثاني : ففي الفرض المذكور لا يتصور عدم صلاحية العام لتخصيصهما ، إلا من جهة عدم صلاحية الأعم من الخاصين لتخصيصه ، وإلا فمع صلاحيته فيلازم ذلك لصلاحية الأخص منه للتخصيص أيضا ، ففي مثل هذا الفرض لا محيص من تخصيص العام بالأخص من الخاصين ويرجع إلى المرجحات السندية بين العام والخاص الأعم ، بل وعلى مختاره من الانقلاب لابد وان يلاحظ النسبة بين العام المخصص والأعم من الخاصين. وليس هنا مجال دعوى : ان نسبة العام لكل واحد من الخاصين على السوية ، إذ المفروض : ان العام بالنسبة إلى مقدار مدلول الأعم نص غير قابل للتخصيص ، فما هو قابل له ليس إلا الأخص من الخاصين ، فكيف يلاحظ العام مع مجموع الخاصين كي ينتهي إلى ما ذكر من النتيجة؟ فما أفيد في المقام حينئذ لا يخلو عن اغتشاش. ومما ذكرنا في الحاشية السابقة أيضا ظهر بطلان توهم مدارية انقلاب النسبة بعد التخصيص بمنفصل آخر ، كما لا يخفى. وحينئذ فقوله في ذيل هذا الفرع : من مرجعية النسبة الحاصلة بعد التخصيص ، كلام ظاهري كما تقدم وجهه مستوفى ، فتدبر.