وتوضيح ذلك يتوقف على بيان أمور :
الأول : يعتبر في الاستصحاب أن يكون الشك راجعا إلى بقاء الحادث ، لا إلى أن الباقي هو الحادث (١) لان قوام الاستصحاب إنما هو بالشك في البقاء بعد العلم بالحدوث ، فلا يجري الاستصحاب عند الشك في كون الباقي هو الحادث.
نعم : قد يتولد الشك في البقاء من الشك في الحدوث ، كما إذا علم بنجاسة أحد مقطوعي الطهارة أو طهارة أحد مقطوعي النجاسة ، فان الشك في بقاء طهارة كل منهما أو نجاسته مسبب عن الشك في حدوث النجاسة فيه أو الطهارة ، لكن الشك في حدوث النجاسة أو الطهارة في كل منهما إنما يكون منشأ للشك في بقاء الحالة السابقة المتيقنة فيهما ، والاستصحاب يجري باعتبار الشك في بقاء تلك الحالة.
وهذا غير الشك في كون الباقي هو الحادث ، لأن الشك فيه لا يرجع إلى البقاء بل إلى الحدوث ، كما لو علم بحدوث فرد مردد بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ، فإنه وإن كان يشك في بقاء الحادث ، إلا أن ارتفاع أحد فردي الترديد يوجب الشك في حدوث الفرد الباقي.
فلا يجري استصحاب الفرد المردد ، لان استصحاب الفرد المردد معناه :
__________________
١ ـ أقول : الأولى أن يقال :
إن الشك في حدوث الباقي بعدما كان ملازما للشك في بقاء ما حدث من الجامع بينهما ذاتيا أم عرضيا ، لا شبهة في أن الشك في بقاء هذا الجامع إنما يثمر في ظرف كونه بنفسه موضوع الأثر في الدليل ، وإلا فلا معنى للتعبد به ، ومن هذه الجهة لا مجال لاستصحاب الفرد المردد ولا لمفهوم المجمل المردد بين المتباينين أو الأقل والأكثر ، لان ما هو مشكوك البقاء لا أثر له وماله الأثر كان بين ما هو متيقن الارتفاع أو متيقن الحدوث.