بقاء الفرد الحادث على ما هو عليه من الترديد (١) وهو يقتضي الحكم ببقاء الحادث على كل تقدير ، سواء كان هو الفرد الباقي أو الفرد الزائل ، وهذا ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير أن يكون هو الفرد الزائل ، فاستصحاب الفرد المردد عند العلم بارتفاع أحد فردي الترديد مما لا مجال له.
نعم : لا مانع من استصحاب الكلي والقدر المشترك بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مقطوع البقاء ، للشك في بقائه بعد العلم بحدوثه ، ويثبت بذلك الآثار الشرعية المترتبة على نفس بقاء القدر المشترك ، ولا تثبت الآثار المختصة بأحد الفردين إلا على القول بالأصل المثبت ، ففي الحدث المردد بين الأصغر والأكبر يجري استصحاب بقاء الحدث عند الاتيان بأحد فردي الطهارة : من الوضوء أو الغسل ، ويترتب عليه حرمة مس كتابة المصحف ، لان حرمة المس من الاحكام المترتبة على نفس بقاء الحدث من دون أن يكون لخصوصية الأصغر والأكبر دخل في ذلك ، لقوله تعالى : « لا يمسه إلا المطهرون » (٢) وسيأتي توضيح ذلك في مبحث الاستصحاب ( إن شاء الله تعالى ).
والمقصود في المقام : مجرد بيان عدم جريان استصحاب الفرد المردد عند ارتفاع أحد فردي الترديد ، كما ربما يختلج في البال ، بل قيل به بتوهم : أن ارتفاع أحد الفردين يوجب الشك في بقاء الفرد الحادث ، فيجري فيه
__________________
١ ـ أقول : استصحاب الفرد المردد لا يقتضي إلا الحكم ببقاء ما هو المعلوم الغير الساري إلى العنوان التفصيلي ، لأنه متعلق لشكه ، والغرض أن التعبد الاستصحابي لا يتعدى عن مورد شكه ، ومورد شكه أيضا هو متعلق يقينه ، فكما أن اليقين الاجمالي يجتمع مع الشك بالطرفين تفصيلا كذلك الشك الاجمالي أيضا يجتمع مع العلمين التفصيليين ، وحينئذ لا يقتضي الاستصحاب المزبور التعبد ببقاء كل واحد من المعلومين تفصيليين ، فلا يتم هذا الوجه في منع جريان استصحاب الفرد المردد ، بل الأولى ما ذكرناه في الحاشية السابقة.
٢ ـ الواقعة : الآية ٧٩.