وهذا بخلاف ما إذا كان الاضطرار حاصلا قبل العلم الاجمالي ، فان العلم فيه يحدث قاصرا عن التأثير ، فلا يقاس أحدهما بالآخر ، بل حق القياس أن يقاس الاضطرار قبل العلم الاجمالي بتلف البعض قبله ، والاضطرار بعد العلم الاجمالي بتلف البعض بعده.
وما قيل في المقام : من الفرق بين تلف البعض بعد العلم والاضطرار إليه بعده ، من أن تلف موضوع التكليف ليس من حدود التكليف وقيوده الشرعية ، بل سقوط التكليف بتلف الموضوع إنما هو لأجل انعدام الموضوع وقواته ، فالمعلوم بالاجمال من أول الامر هو التكليف المطلق الغير المقيد شرعا بعدم تلف الموضوع ، وقد تنجز التكليف المطلق بالعلم الاجمالي ، فلابد من الخروج عن عهدته بترك التصرف في الطرف الباقي ، وهذا غير الاضطرار إلى موضوع التكليف ، فان التكليف من أول الامر محدود شرعا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقه ، فلا موجب لتنجز التكليف مطلقا حتى مع حصول الاضطرار الذي اخذ حدا للتكليف شرعا ، لأنه لا يقين باشتغال الذمة بالتكليف إلا إلى هذا الحد ، فلا يجب رعاية التكليف بعد الحد.
واضح الفساد : فإنه لا فرق في تأثير العلم الاجمالي واقتضائه التنجز بين أن يتعلق بالتكليف المطلق الغير المحدود شرعا وبين أن يتعلق بالتكليف المردد بين المحدود وغير المحدود مع تعدد المتعلق ، كما إذا علم إجمالا بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة ، فإنه لا ينبغي التأمل في تأثير العلم الاجمالي في وجوب صلاة الظهر بعد انقضاء ساعة من الزوال ، مع أن العلم الاجمالي قد تعلق بالتكليف المردد بين المحدود وغيره ، فان التكليف بصلاة الظهر لا حد لآخره شرعا بل يمتد وقته إلى آخر العمر ، لثبوت القضاء فيها ، بخلاف صلاة الجمعة ، فان التكليف بها محدود شرعا إلى انقضاء ساعة من الزوال ، ولا فرق بين انقضاء الساعة في المثال وبين عروض الاضطرار إلى المعين فيما نحن فيه ، لان كل من الساعة