في ترخيص ترك الأكثر إنما هي الجهل بمتعلق التكليف ، فلا محالة يكون الترخيص في تركه ظاهريا على تقدير أن يكون متعلق التكليف واقعا هو الأكثر ، فالتكليف بالأكثر يكون متوسطا في التنجيز ، بمعنى أنه إن كان المكلف به واقعا هو الأكثر فالتكليف به قد تنجز على تقدير ترك الأقل ، فيعاقب على ترك الأكثر ، وأما مع عدم ترك الأقل فلا يكون التكليف به منجزا ولا يعاقب على تركه ، فبلوغ التكليف بالأكثر إلى مرتبة التنجز يدور مدار فعل الأقل وتركه ، فهو منجز على تقدير وغير منجز على تقدير آخر.
فظهر : أن التكليف في مورد الاضطرار إلى المعين لا يكون إلا من التوسط في التكليف ، وفي مورد الأقل والأكثر لا يكون إلا من التوسط في التنجيز.
وأما الاضطرار إلى غير المعين : ففي اقتضائه التوسط في التنجيز أو التوسط في التكليف ، كما اختاره الشيخ قدسسره وجهان ، لأنه قد اجتمع فيه كل من الجهتين ، فان لكل من الجهل والاضطرار دخلا في الترخيص فيه ، إذ لولا الجهل بشخص الحرام كان يتعين على المكلف رفع الاضطرار بغيره ، كما أنه لولا الاضطرار كان يجب الاجتناب عن جميع الأطراف ولم يحصل في البين ما يوجب الترخيص في البعض ، فالترخيص في ارتكاب أحد الأطراف تخييرا يستند إلى مجموع الأمرين : من الجهل والاضطرار.
وحينئذ لابد من ملاحظة الجزء الأخير لعلة الترخيص.
فإن كان هو الجهل ، فالترخيص فيه يكون ظاهريا لا واقعيا ، ويلزمه التوسط في التنجيز ، والترخيص الظاهري في المقام ـ كسائر موارد الترخيصات الظاهرية المستفادة من أصالة البراءة والحل ـ لا يقتضي أزيد من المعذورية في مخالفة التكليف على تقدير مصادفة ما اختاره المكلف لدفع الاضطرار لموضوع التكليف مع بقاء الواقع على ما هو عليه بلا تصرف فيه ، فان الترخيص الظاهري لا يصادم الواقع ، كما أوضحناه في محله.