وتوضيح ذلك : هو أن « الغرض » قد يطلق ويراد منه مصلحة الحكم وملاكه وهو الشايع في الاستعمال ، وقد يطلق ويراد منه التعبد بالامر وقصد امتثاله ، فان الغرض من الامر قد يكون مجرد حصول المأمور به خارجا ، وقد يكون الغرض منه التعبد به ، ولا إشكال في انقسام الامر إلى هذين القسمين ووقوعهما خارجا ، كما لا إشكال في أنه لا يمكن أخذ قصد الامتثال والتعبد في متعلق الامر ، لأنه من القيود اللاحقة للامر بعد وجوده.
وإنما الاشكال في أن عروض وصف التعبدية للامر هل هو بالجعل الثانوي المصطلح عليه بمتمم الجعل؟ أو باقتضاء ذات الامر (١)؟ بأن يكون الامر التعبدي بهوية ذاته يقتضي قصد الامتثال ويمتاز عن الامر التوصلي بنفسه بلا حاجة إلى متمم الجعل ، بل الطلب بذاته يحدث كيفية التعبد في المأمور به ويقتضي إيجابها ، فيكون انقسام الامر إلى التعبدي والتوصلي لا لأمر خارج عنهما ، بل لتباينهما ذاتا ، وعلى هذا يكون قصد الامتثال من العوارض
__________________
١ ـ أقول : بعد كون قوام تعبدية الامر بعدم سقوطه إلا باتيان المأمور به بداعي الامر قبال التوصلي الساقط باتيان ذات العمل ، فهذا المعنى ذاتي له غير مرتبط بعالم الجعل ، إذ مثل هذا المعنى في الحقيقة من تبعات دخل المصلحة لبقاء أمره الداعية له ثبوتا ، كدخل حصوله في سقوطه ، والاحتياج إلى متمم الجعل في عالم بيان كيفية الغرض الملازم لكيفية سقوطه أو عدم احتياجه ـ بخيال اقتضاء العقل عند الجزم بالامر القطع بالفراغ منه ، ولا يحصل إلا بضم القصد المزبور ومع هذا الحكم العقلي لا يبقى مجال جريان البراءة عن القصد المشكوك ، فلا يحتاج حينئذ إلى تتميم الجعل ـ أجنبي عن مرحلة اقتضاء الامر التعبدي في عالم الثبوت مثل هذا القصد ، وحينئذ لا أرى لمثل هذا التشقيق مفهوما محصلا ، فالعمدة في المسألة في أن مثل هذا القيد الخارج عن المأمور به يحتاج إلى بيان مستقل نسميه تتميم الجعل ، أم لا يحتاج ، بل يكفي له بيانا قاعدة الاشتغال في نفس ما امر به ، وحينئذ مرجع هذه الجهة إلى المغالطة الواقعة في الأقل والأكثر : من تقريب الاشتغال من ناحية الامر بالأقل ، ولقد بينا شرح المغالطة والجواب عنه مفصلا ، وملخص الجواب : ان العقل إنما يحكم بلزوم الفراغ عما اشتغلت الذمة به لا واقعا ، وما اشتغلت الذمة على فرض الأكثر وجوده من طرف الأقل لا مطلقا ، فمرجع الكلام إلى التوسط في التنجيز ، كما لا يخفى.