بين القول بالتخيير في المسألة الفقهية والقول بالتخيير في المسألة الأصولية.
وحاصل ما أفاده في وجه التفصيل ـ بتحرير منا ـ هو أن القول بالتخيير في المسألة الفقهية يرجع إلى سقوط كل من المتعارضين عن الحجية رأسا وفرض المسألة خالية عن الحجة ، فيكون التخيير في تطبيق العمل على أحدهما من جهة عدم قيام الدليل على تعيين كيفية العمل وما هو وظيفة المكلف ، ومع وجود العام الموافق لاحد المتعارضين لا يبقى مجال للتخيير في العمل ، لان المسألة لم تخلو عن الحجة ، لان العام حجة معين لكيفية العمل من دون أن يكون له مزاحم ، لسقوط مزاحمه بالمعارضة ، فلا محيص عن الرجوع إلى العام.
وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالتخيير في المسألة الأصولية ، فان التخيير في المسألة الأصولية يرجع إلى التخيير في أخذ أحد المتعارضين حجة وجعله طريقا ووسطا لاثبات الواقع ، كما إذا كان وحده ولم يكن له معارض ، فالمسألة لم تخلو عن الحجة رأسا ، بل لكل من المتعارضين حظ من الحجية ولو في صورة اختياره والاخذ به ، فالمخصص يزاحم العام في الحجية ولو في الجملة (١) ولم يسقط عن الحجية رأسا ، ومعه لا يبقى مجال للرجوع إلى العام ، بل لابد من التخيير في الاخذ بأحد المتعارضين ، لسقوط أصالة العموم عن الحجية ، فتأمل ، ولتفصيل الكلام محل آخر.
__________________
أخبار التخيير حاكمة على هذا الأصل وإن كان جاريا في المسألة الأصولية » هو الاطلاق بقرينة « إن » الوصلية ، وظاهر ذيل كلامه يعطي التفصيل بين القولين ، فراجع العبارة وتأمل فيها ( منه )
١ ـ أقول : قد تقدم أنه لو بنينا على اختصاص أدلة التخيير بالتخيير العقلي ، فقبل الاخذ بواحد منهما كان العام حجة ، فلا تحير في البين ، فلا تخيير. نعم : لو لم يكن دليل التخيير مختصا بالمتحير كان لما أفيد وجه ، ولكن ذلك أيضا على فرض قصر اقتضاء حجية العام بعدم وجود الأقوى ، وإلا فعلى فرض فعلية حجيته لا اقتضائه فلا يبقى مجال لسقوط العام عن الحجية ، بل كان موجبا للقوة ومرجحا للموافق ، كما لا يخفى.