العبادة في الجزء الثاني من الكتاب.
وأما الطهارة والنجاسة : فقد جعلهما الشيخ قدسسره من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع جريا على مبناه : من أن الأحكام الوضعية لا تنالها يد الجعل الشرعي ، فهي بين ما تكون منتزعة عن التكليف كالملكية والزوجية ونحو ذلك ، وبين ما تكون من الأمور الواقعية كالطهارة والنجاسة.
ويا ليت! بين مراده من ذلك ، فإنه إن كان المقصود أن حكم الشارع بطهارة بعض الأشياء ونجاسة آخر إنما هو لأجل اشتمال الطاهر والنجس على النظافة والقذارة المعنوية ، فهذا لا يختص بباب الطهارة والنجاسة ، بل جميع موضوعات التكاليف ومتعلقات الأحكام الشرعية تشتمل على خصوصية واقعية حكم الشارع على طبقها ، فان الواجبات الشرعية كلها ألطاف في الواجبات العقلية. وإن كان المقصود أن أصل الطهارة والنجاسة من الأمور الواقعية الخارجية ، فهذا مما لا سبيل إلى دعواه ، بداهة أن الطهارة والنجاسة بمعنى النظافة والقذارة من الأمور الاعتبارية العرفية (١) كما يشاهد أن العرف والعقلاء يستقذرون عن بعض الأشياء ولا يستقذرون عن بعضها ، غايته أن
__________________
١ ـ أقول : لا إشكال ظاهرا في أن النظافة والقذارة العرفية المحسوسة من الواقعيات وغير مرتبط بعالم الجعل والاعتبار ، وإنما الكلام فيهما شرعا بحيث لم يكن في البين جهة محسوسة عرفية ، بل ربما تكون الحكم الشرعي. عكس ما هو محكوم عند العرف بالطهارة والنجاسة ، ولا يبعد دعوى كونهما من الاعتباريات الجعلية بادعاء ما يراه العرف طاهرا في مورد وما يراه العرف نجسا في مورد * وإن لم يكن كذلك في نظرهم خارجا ، إذ من الممكن دعوى أن حكم الشارع بالنجاسة بمناط لو يرى العرف هذا المناط ليجرون أحكام نجسهم عليه ، وهكذا بالعكس. فتدبر فيه ترى هذا المناط مصحح هذا الادعاء والجعل لا عين الطهارة الشرعية ونجاستها كي يكونا من الواقعيات التي كشف عنها الشارع ، كما توهم ، فافهم.
* لا يخفى ما في العبارة من الخلط ، والصحيح « بادعاء ما يراه العرف طاهرا في مورد نجسا » ( المصحح ).