والسر في ذلك : هو أن تنجز التكاليف إنما يكون بوصولها إلى المكلفين ، لأنها بوجوداتها الواقعية قاصرة عن أن تصير داعيا لحركة العضلات ، فان الشيء بوجوده الواقعي غير قابل لتحريك الإرادة وانقداحها في النفس ، بل المحرك للإرادة هو الوجود العلمي ، من غير فرق في ذلك بين الأمور التكوينية والتشريعية ، فالتكاليف الشرعية ما لم تصل إلى المكلف لا تصلح للداعوية ، فكل ما أوجب وصول التكاليف تكوينا أو تشريعا يكون شرطا لتنجيزها ، لان التنجيز إنما يكون بالوصول ، والموجب للوصول ليس هو إلا العلم أو ما يقوم مقامه ، وأما سائر الانقسامات المتأخرة عن الخطاب الحادثة بحدوثه فليس شيء منها توجب الوصول (١) ومنها إمكان الابتلاء وعدمه على فرض تسليم كونه من الانقسامات المتأخرة (٢).
والحاصل : أن مجرد كون الابتلاء من القيود المترتبة على الخطاب لا يقتضي أن يقع في عداد شرائط التنجيز ، وإلا كان كل قيد مترتب على الخطاب شرطا للتنجيز ، وهو كما ترى مما لا يمكن الالتزام به! لما عرفت من أنه يعتبر في شرط
__________________
الاستحقاق المزبور ليس مجرد الوصول محضا ، بل كما للوصول دخل فيه كذلك للقدرة عليه أيضا دخل في فعليته ، فلا معنى لحصر أسباب التنجيز بخصوص الوصول بعد فرض جعل القدرة خارجة عن شرائط أصل الخطاب ، بشهادة جعلها من الانقسامات اللاحقة الغير الموجبة لتقيد الخطاب به.
١ ـ أقول : ولعمري! ان هذا البرهان أشبه شيء بما هو المعروف بأنه لم يرفع المؤذن يديه ويضعهما في اذنه؟ فأجيب بأنه لو وضع يديه على فمه لم يقدر أن يؤذن ، إذ تمام الكلام في إخراج القدرة عن شرائط التنجز وحصره بالوصول ، فهل يناسبه بيان أنه لولا الوصول لا يتنجز وأن بقية الأمور الاخر ليس مما يوجب الوصول؟.
٢ ـ لا يخفى أنه لا مجال للتمسك بالاطلاقات اللفظية بعد تسليم كون الابتلاء من القيود المتأخرة عن الخطاب وإن لم يكن من شرائط التنجيز ، فإنه لا ملازمة بين عدم كونه شرطا للتنجيز وبين صحة التمسك بالاطلاقات ، إذ يكفي في المنع عن التمسك بالاطلاقات مجرد كونه من الانقسامات المترتبة على الخطاب ، كما لا يخفى ، فالأولى منع كونه من الانقسامات المترتبة ( منه ).