بكون المخصصات الواردة بعد حضور وقت العمل بالعمومات كلها تكون ناسخة للعمومات (١) فالاحتمال الأول ساقط ، ويدور الامر بين أحد الاحتمالين الأخيرين.
__________________
١ ـ أقول : بعد إمكان تأخير المخصص عن وقت العمل بل وتقديم ورود الناسخ على العمل بشهادة تفويض إبرازه إلى الأئمة عليهمالسلام من بعده ـ إذ ذلك مستلزم لتأخير بروز الناسخ وإعلامه بعد العمل لا وروده إذ يستحيل وروده واقعا بعد انقطاع الوحي ـ كانت التخصيصات الواردة بعد العمومات قابلة للنسخ والتخصيص ، فلا محيص من ترجيح التخصيص بوجه متيقن لا لصرف دعوى البداهة ، خصوصا مع اقتضاء أصالة العموم نسخية الخاص.
وتوهم معارضته مع عموم ما دل على بقاء الاحكام من الحلال والحرام مدفوع غايته ، لان عموم الاحكام لا يكاد ينطبق على المورد إلا بعد جريان أصالة العموم في العام ، لأنه محرز لموضوعه ، فكيف يعارضه أصالة العموم في الحلال والحرام معه؟ إذ لازم جريانه عدم الجريان ، وهو محال. وبعبارة أخرى : أصالة العموم في الاحكام إنما هو في ظرف تحقق موضوعه ، ولا يصلح مثله للمعارضة مع ما يحرز هذا الموضوع ، فقهرا يصير هذا الأصل حاكما ومقدما على الأصل الآخر ، كما أن إطلاق العام زمانا أيضا تبع لهذا العموم ، فكيف يعارضه عمومه؟ نعم : ما يصلح للمعارضة له هو أصالة الاطلاق في طرف الخاص ، فإنه يقتضي ثبوت حكمه من الأول وهو ينافي العموم لهذا الفرد قبل ورود الخاص ، وهذا التقريب على المختار ـ من صلاحية معارضة أصالة الاطلاق في المنفصل مع أصالة العموم ـ في غاية المتانة ، فيجري بعد التعارض حكم التخصيص على الخاص. ولكن هذا الكلام إنما يصح في الخاص الوارد قبل العام ، واما الخاص الوارد بعد العام ، فلا أثر لهذا النزاع بالنسبة إلى من وجد بعد ورود الخاص ، حيث إن احتمال الناسخية لا يؤثر في حقه عملا كي يجري في حقه أصالة العموم فيصلح للمعارضة. نعم : يصلح هذا الثمر بالنسبة إلى الموجودين في زمان الخطابين ، فإنه يثمر هذا النزاع في حقهم بالنسبة إلى القضاء وعدمه ، وإلا فبالنسبة إليهم أيضا لا يجدي أصالة الاطلاق في طرف الخاص بالنسبة إلى ما مضى من زمانه ، فإنه خارج عن محل ابتلائه ، كما لا يخفى.
ثم إن ما ذكرنا كله على فرض إرجاع النسخ إلى التصرف في الدلالة ، وإلا فلو كان باب النسخ ـ كما أشرنا ـ من قبيل صورة البداء فكان التصرف فيه من قبيل التصرف في الجهة. وحينئذ قد يتوهم بأنه في الدوران بينهما يقدم التصرف الدلالي على الجهتي ، كما هو الشأن بين الجمع الدلالي أو الحمل على التقية ، حيث إن بناء الأصحاب على تقديم الجمع على التقية ، فلازمه في المقام تقديم التخصيص على النسخ. ولكن يمكن ان يقال : إن مناط تقديم الجمع على التقية إنما هو من جهة اقتضاء التقية طرح السند