ولكن الانصاف : أن الاحتمال الثاني لو لم يكن أقرب من الاحتمال الثالث فلا أقل من أن يكون مساويا له ، فانا نرى أن كثيرا من المخصصات المنفصلة المروية من طرقنا من الأئمة عليهمالسلام مروية عن العامة بطرقهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيكشف ذلك عن اختفاء المخصصات المتصلة علينا ، فلا وجه لاستحالة الوجه الثاني أو استبعاده ، بل يمكن أن يقال : باستحالة الوجه الثالث ، فإنه إن كانت مصلحة الحكم الواقعي الذي يكون مفاد المخصصات المنفصلة تامة فلابد من إظهاره والتكليف به (١) وإن لم تكن تامة ـ ولو بحسب مقتضيات الزمان حيث يكون للزمان دخل في ملاك الحكم ـ فلا يمكن ثبوت الحكم الواقعي حتى يكون مفاد العام حكما ظاهريا ، بل يكون الحكم الواقعي هو مفاد العام إلى زمان ورود الخاص ، ولا محالة يكون الخاص ناسخا لا مخصصا ، ففي الحقيقة الاحتمال الثالث يرجع إلى الاحتمال الأول وهو النسخ. وقد عرفت : أنه لا يمكن الالتزام به ، فلا أقرب من الاحتمال الثاني ، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال : لو تردد الخاص بين أن يكون مخصصا أو ناسخا ، فقيل : بتقديم التخصيص لكثرته وشيوعه ، حتى قيل : « ما من عام إلا وقد خص ».
__________________
١ ـ أقول : تمامية مصلحة الحكم الواقعي لا يلازم إبرازه فعلا على المكلف ، بل يكفي فيه إيكال إبرازه إلى أوصيائه عليهمالسلام مع إعطائه الحجة على خلاف الواقع ، كما لا يخفى.
ثم إن الحكم الظاهري في المقام هو مفاد أصالة العموم لا مفاد العام ، وهذا التعبير في كلماته أيضا مبني على المسامحة أو السهو من القلم.
ولئن شئت توضيح ما ذكرنا بأزيد مما أشرت إليه ، فاسمع بان الغرض من تمامية مصلحة الواقع ان كان عدم وجود مزاحم له في تنجزه على المكلف وإيصاله إليه ، فلازمه استحالة جعل الطريق على خلافه ، وإن كان الغرض تمامية المصلحة في عالم جعل الحكم واقعا على وفقه ولو لم يصل إلى المكلف فعلا بل اقتضت المصلحة إيصاله إليه بعد حين ، فذلك لا ينافي مع إبداء العام على المكلف في صورة كون الحكم المجعول واقعا على طبق الخاص الموكول إبرازه على وصيه ، كما لا يخفى.