المطلق. وقد تنقلب النسبة إلى التباين مع المعارضة بينهما ، كما إذا أخرج الدليل الرابع مورد الافتراق عن جميع الأدلة الثلاثة ، فيقع التعارض بينها ، لان مجمع العناوين يكون مورد النفي والاثبات ، فتأمل فيما تمر عليك من الأمثلة وكيفية انقلاب النسبة بينها.
وقد أشرنا إلى الوجه في انقلاب النسبة في مثل هذه الموارد ، وحاصله : أن ملاحظة النسبة بين الأدلة إنما هي لأجل تشخيص كونها متعارضة أو غير متعارضة ، وقد تقدم : أن تعارض الأدلة إنما هو لأجل حكايتها وكشفها عما لا يمكن جعله وتشريعه لتضاد مؤدياتها ، فالتعارض بين الأدلة إنما يكون بمقدار كشفها وحكايتها عن المراد النفس الأمري. ومن الواضح : أن تخصيص العام يقتضي تضييق دائرة كشفه وحكايته (١) فان التخصيص يكشف لا محالة عن عدم كون عنوان العام تمام المراد ، بل المراد هو ما وراء الخاص ، لان دليل الخاص لو لم يكشف عن ذلك يلزم لغوية التعبد به وسقوطه عن الحجية ، فلازم حجية دليل المخصص هو سقوط دليل العام عن الحجية في تمام المدلول وقصر دائرة حجيته بما عدا المخصص. وحينئذ لا معنى لجعل العام بعمومه طرف النسبة ، لان النسبة إنما يلاحظ بين الحجتين ، فالذي يكون طرف النسبة هو
__________________
١ ـ أقول : بعد كون المدار في باب الألفاظ على الكشف النوعي بشهادة حجيتها حتى مع الظن الغير المعتبر على الخلاف ، كيف يقتضي تقديم حجة أخرى منفصلة عنه تضيق دائرة كشفه النوعي؟ إذ غاية ما يقتضيه الحجة الأخرى عدم مرادية المدلول واقعا ، وهذا المعنى لا ينافي مع بقاء كشفه النوعي الحاصل لولا هذا الدليل ، كما أن كسر صولة حجية العام ببعض مدلوله الذي هو نتيجة تقديم دليل آخر عليه لا يقتضي قوة دلالته وكشفه ، لان الحكم بالحجة لا يغير الدلالة قوة وضعفا ، فالمقدار من دلالة الدليل الذي هو تحت الحجية هو الموجود في ضمن تمام الدلالة ، ومن البديهي : ان هذا الموجود الضمني بحجيته وعدمها لا يستفيد قوة وضعفا ، بل يبقى على ما كان عليه من قوته وضعفه قبل الحجية ولولاها ، ولذا قلنا بأنه لا معنى لمدارية انقلاب النسبة بهذا المعنى ، ولعمري! لو تأملت فيما ذكرنا ترى منتهى الغرابة في كلامك لا كلام الغير!.