وهكذا نعرف ان حكم الصورتين عمليا واحد ، ولكنهما يختلفان فى ان الاصل فى الصورة الاولى بجريانه فى وجوب الوفاء يحقق موضوع وجوب الحج وجدانا ويوجب انحلال العلم الاجمالى بالعلم التفصيلى ، ومن هنا كان وجود العلم الاجمالى متوقفا على عدم جريانه ، كما عرفت.
وأما فى الصورة الثانية فلا يحقق ذلك ، لأن وجوب الحج مترتب على عدم وجوب الوفاء واقعا ، وهو غير محرز وجدانا ، وانما يثبت تعبدا بالاصل دون أن ينشأ علم تفصيلى بوجوب الحج. ولهذا لا يكون جريان الاصل فى الصورة الثانية موجبا لانحلال العلم الاجمالى ، وبالتالى لا يكون وجود العلم الاجمالى متوقفا على عدم جريانه. ومن اجل ذلك قد يقال هنا بعدم جريان الأصل المؤمن عن وجوب الوفاء على القول بالعلية ، لأن مانعية العلم الاجمالى عن جريانه ممكنة لعدم توقف العلم الاجمالى على عدم جريانه.
وهناك فارق آخر بين الصورتين ، وهو انه فى الصورة الاولى يجرى الاصل المؤمن عن وجوب الوفاء سواء كان تنزيليا أو لا ، ويحقق على أى حال موضوع وجوب الحج وجدانا. وأما فى الصورة الثانية فانما يجرى اذا كان تنزيليا ، بمعنى ان مفاده التعبد بعدم التكليف المشكوك واقعا ، وذلك لأن الأصل التنزيلى هو الذى يحرز لنا تعبدا موضوع وجوب الحج ، فيكون مبثابة الاصل السببى بالنسبة الى الاصل المؤمن عن وجوب الحج ، وأما الاصل العلمى البحت فلا يثبت به تعبدا العدم الواقعى لوجوب الوفاء ، فلا يكون حاكما على الأصل الجارى فى الطرف الاخر بل معارضا.