أقول : وما أفاده ممّا لا يرجع إلى طائل ؛ أمّا أوّلا : فلأنّ الانتفاء في المقام الثاني ممّا لا حاجة فيه إلى تجشّم الاستدلال ، ضرورة ارتفاع الحكم بارتفاع الموضوع فلا يعقل توجيه النزاع فيه. وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكره وجها في المقام الأوّل ممّا لا وجه له. وتوضيحه : أنّ تعليق الفعل بالغاية ، كما في قولك : « سر من البصرة إلى الكوفة » يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يلاحظ السير المبتدأ من البصرة المنتهى إلى الكوفة ويأمر به بواسطة اشتمال هذه القطعة من السير على مصلحة أو ينهى عنه مع قطع النظر عن سائر قطعات السير وجودا وعدما ، ومرجعه إلى طلب فعل واحد أوّله كذا وآخره كذا ، فالطلب إنّما تعلّق بالفعل المحدود ابتداء وانتهاء.
الثاني : أن يلاحظ السير المطلوب فعله أو تركه أوّلا ثمّ بعد اعتبار تعلّق طلبه به يلاحظ تحديده بداية ونهاية بما يصلح لذلك التحديد.
فعلى الأوّل لا وجه لاستعمال أداة الغاية والتعليق بها ، بل لو كان المراد ذلك فمن حقّه استعمال الغاية على جهة التوصيف ، إذ الكلام في أمثال المقام إنّما هو في الظهور.
وعلى الثاني فمن حقّه استعمال التركيب المتنازع فيه. ومجرّد إمكان رجوعه إلى التوصيف لا يجدي ، إذ لم يقم دليل على امتناعه في الشرط أيضا.
وبما ذكرنا يظهر فساد ما زعمه في توجيه ما صار إليه ، من أنّ توابع الفعل من القيود اللاحقة للمادّة لا للهيئة (١) ، نظرا إلى أنّ مفادها معنى حرفيّ ؛ فإنّ ذلك لا يقضي بما زعمه ، مضافا إلى عدم قدحه فيما إذا كان الطلب مثلا ، ولا ينافي ذلك كونه إنشاء لا إخبارا ، كما لا يخفى.
__________________
(١) انظر الفصول : ١٥٤.