ثمّ لا فرق في الوجه الثاني بين أن يكون المطلوب المحدود ملحوظا على وجه يكون فعلا واحدا كما عرفت في الوجه الأوّل ، أو أفعالا متعدّدة فينحلّ إلى مطلوبات متعدّدة لكنّها محدودة بالغاية المذكورة ، أو يكون على وجه التوسعة فيكون المطلوب التخيير في الأفعال الّتي يمكن إيجادها في الوقت المضروب إلى زمان الغاية المفروضة.
لا يقال : لعلّه يدّعى ظهور الجملة المغيّاة بالغاية في الوجه الأوّل. لأنّا نقول : كلاّ! فإنّ كثيرا من الموارد ممّا لا وجه لإرجاعها إليه ، كما في أغلب موارد التحريم والإباحة ، كقوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ )(١) وقوله عزّ من قائل : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ )(٢) إذ على تقديره يكون المراد تحريم المقاربة التي يكون غايتها الطهر وإباحة الأكل والشرب الذي يكون غايته التبيّن ، وذلك واضح الفساد جدّا. نعم ، بعض الموارد ممّا يصلح لذلك ، كما في بعض الأمثلة ، إلاّ أنّك قد عرفت أنّ مجرّد الصلاحيّة مع ظهور اللفظ في الخلاف ممّا لا يجدي في مثل المقام.
ثمّ إنّه قد أفاد في أثناء احتجاجه على المقام الثاني : أنّ معنى « صم إلى الليل » طلب إمساك مقيّد يكون نهايته الليل ، فلو فرض أنّ المطلوب إنّما هو إمساك ما زاد عليه لم يكن الإمساك إلى الليل مطلوبا لنفسه ، وهو خلاف ما يقتضيه ظاهر اللفظ ، فلا بدّ حينئذ إمّا من حمل الأمر على الطلب الغيري وهو عندنا وإن كان حقيقة إلاّ أنّه خلاف الظاهر من الإطلاق ، أو حمل الليل على الجزء المتأخّر عنه ... (٣).
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢.
(٢) البقرة : ١٨٧.
(٣) الفصول : ١٥٤.