فالأوجه على ما صرّح به بعض المحقّقين (١) : أنّ المنساق من ذلك ليس إلاّ إثبات عنوان الإلهيّة لله تعالى فعلا. وأمّا نفي إمكان غيره فإنّما هو بواسطة ملازمة واقعيّة بينهما ، ولا يضرّ خفاء تلك الملازمة ، فإنّ ما اختفى منها إنّما هو الالتفات اليها تفصيلا ، بمعنى عدم الشعور بعلمها ، وأمّا العلم بنفس الملازمة فإنّما هو ممّا فطر الله تعالى عليه عامّة الخلق ، كما ذهب إليه جماعة من العرفاء والحكماء الالهيّين (٢). وعلى تقدير الاختفاء فلا مانع من القول بكفاية ذلك في الحكم بالإسلام ، سيّما في صدر الإسلام كما صرّح به جماعة أيضا (٣).
ثمّ إنّهم اختلفوا في كون الدلالة المذكورة هل بالمنطوق أو بالمفهوم؟ فإن أرادوا بذلك ترتيب أحكام أحد القسمين عليها عند التشخيص ، ففيه : أنّا لا نعرف حكما يخصّ بأحدهما ، إذ ليسا مأخوذين في عنوان دليل شرعي. وأمّا تقديم المنطوق عند التعارض فقد عرفت ما فيه ، إذ المدار على الأقوائيّة والظهور ، ولا دليل على دورانهما مدارهما. وإن أرادوا بذلك تشخيص ما هو الواقع بحسب الاصطلاح ، فالظاهر أنّه من المفهوم.
وتحقيق ذلك : أنّ قولك : « ما زيد إلاّ قائما » يشتمل على حكمين : أحدهما سلب جميع المحمولات عن زيد ، وثانيهما : إثبات القيام لزيد. والأوّل مستفاد منطوقا ، والثاني مفهوما ، نظرا إلى ما وجّهنا حدّيهما فيما تقدّم ، إلاّ أنّه مع ذلك لا طائل تحته.
ومنها : الإضراب بكلمة « بل » ، وأمّا ما جيء به للترقّى فلا يفيد الحصر قطعا ، إذ لا وجه لاستفادة الحصر منها. ولعلّ من جزم بعدم إفادتها الحصر
__________________
(١ ـ ٣) لم نعثر عليه.