وقد يظهر من بعضهم (١) : أنّ الخلاف إنّما في حجّيّة العامّ قبل الفحص ، فقال في مقام استنهاض الحجّة على ما اختاره من العدم بعد دعوى العلم الإجمالي أنّه : لا دليل على حجّيّة تلك العمومات مطلقا حتى عند عدم البحث.
وكلامه ظاهر في نفي الدليل على اعتبار أصالة الحقيقة عند العلم الإجمالي. ثم ساق الكلام ـ إلى أن قال ـ وهذا الدليل بعينه يجري في سائر الأدلّة الظنّيّة ، سواء كانت ظنّيّتها من حيث السند كخبر الواحد ، أو من حيث المتن كالأمر والنهي والمطلق وغيرها من الظواهر اللفظيّة.
أقول : ولعلّه إلى مثل ذلك ينظر المتمسّك بإطلاق أدلّة الحجّية كما عن بعض المجوّزين (٢) وإلاّ فلا وجه لكلّ منهما.
أمّا الأوّل : فلأنّ هذا النزاع بعد الفراغ عن الحجّية ، فإنّ ترك الأخذ بالدليل بواسطة احتمال ما زاحمه من سنخه لا ينافي الحجّيّة بل تؤكّدها.
وأمّا الثاني : فلأنّه لا كلام في حجّية تلك الأدلّة على وجه الإطلاق حتّى يحتاج إثباته إلى التمسّك بالإطلاق ، وإنّما الكلام في وجود المانع عن العمل بهذه الأدلّة الثابتة حجّيّتها سندا كما في المتباينين ، ودلالة كما في العموم والخصوص ، فالمجوّز إنّما يحكم بالجواز لعدم ما يصلح للمنع عنده بعد إحراز المقتضي ، بخلاف المانع فإنّه يعتقد وجود مانع من ذلك.
فإن قلت : إنّ تجويز النزاع في العامّ والخاصّ هدم لما قرّرت : من أنّ الاصول المعمولة في الألفاظ لم يعهد منهم الخلاف فيه.
قلت : أوّلا : إنّ ذلك مع قطع النظر عمّا يوجب المنع كما هو مقصود المانع. وثانيا : سلّمنا الاتّفاق على وجه الإطلاق ، لكن نقول : إنّ المخصّصات المنفصلة
__________________
(١) وهو صاحب الفصول في الفصول : ٢٠٠.
(٢) لم نعثر عليه.