وأمّا إذا كان الخطاب مصدّرا بأداته ، فهل في المقام أصل يرجع إليه عند الشكّ؟ نقول : إنّه لم نقف على أصل جامع لموارد الشكّ بأجمعها ، فإنّها على أقسام :
أحدها : أن يكون الشك في كيفية الحكم ، بأن يكون الشكّ في تقييد الحكم بأمر أحرزه الحاضرون وإطلاقه ، كما قرّرناه في الثمرة الثانية (١) وحينئذ لا بدّ من دفع الشكّ المذكور إمّا بالتمسّك بالإطلاق ـ كما عرفت ـ ثمّ يحتاج إلى عموم أدلّة الاشتراك ، فإنّ مجرّد عدم تقييد الإطلاق لا يقتضي ثبوت الحكم لغير المشافه على تقدير عدم الشمول. وإمّا بالتمسّك بأصالة البراءة عند دوران الأمر بين الاشتراط وعدمه ، لأنّ الأصل الاشتراط ، فلا يبقى مورد لأدلّة الاشتراك.
وثانيها : أن يكون الشكّ في مقدار ثبوت الحكم بحسب الزمان من دون مدخليّة للأشخاص الموجودة في زمان ثبوت الحكم على وجه لو كان الغائب موجودا في ذلك الزمان والحاضر معدوما فيه لم يختلف الحكم ، فمرجع الشك إلى بقاء الحكم في الزمان الثاني أو ارتفاعه ، لطريان النسخ أو لعدم وجود ما يقتضيه واقعا لو وجد في الأحكام مثله ، وحينئذ لا بدّ من الأخذ بالاستصحاب ، ولا وجه للاعتماد على البراءة ، لحكومته عليها في مجاريه ، ومنها المقام عندهم ، بل ادّعى أمين الأخباريّة اعتبار الاستصحاب في المقام ، وكونه من ضروريّات الدين (٢) ، وإن لم يأت على دليل بسلطان مبين ، لما قرّرنا : من أنّ الاعتماد على الاستصحاب في المقام بعينه كالتعويل عليه في سائر المقامات خلافا ووفاقا. نعم ، لو كان مرجعه إلى أصل لفظيّ ـ كأصالة عدم التخصيص في العامّ الزماني ـ كان وجها لثبوت التعويل عليه إجمالا وإن لم نعلم وجهه.
__________________
(١) راجع الصفحة : ١٩٨.
(٢) انظر الفوائد المدنية : ١٤٣.