ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون النسبة بين المفهوم والعموم عموما من وجه كما في قولك : « لا تكرم الفسّاق » و « أكرم خدّام العلماء » فالتعارض إنّما هو في العالم الواجب الإكرام بالمفهوم ومحرّم الإكرام بالعموم ، أو كان المفهوم أخصّ كما إذا قيل : أكرم خدّام العالم الفاسق.
أمّا الأوّل : فلأنّ المفهوم في المقام قضيّة لبّيّة لا يمكن التصرّف فيها بنفسها بالتخصيص وإنّما هو يتبع المنطوق ، فلا بدّ إمّا (١) من التصرّف في المنطوق بالقول بأنّ قولنا : « أكرم خدّام العلماء » إنّما لا يراد منه وجوب (٢) إكرام الخدّام بإخراجه عن الظاهر بالمرّة ، إذ على تقديره فلا معنى للمنع من ثبوت الحكم للمفهوم ، لاستقلال العقل بثبوت الحكم على وجه الأولويّة ، نظير استقلال العقل بوجوب المقدّمة بعد فرض وجوب ذيها. ولا يعقل القول ببقاء الدليل الدالّ على الوجوب مع المنع عن وجوب المقدّمة ، لرجوع ذلك إلى منع الملازمة بين الوجوبين ، وقد فرض حكومة العقل بثبوتها ، ولا ريب أنّ ذلك تصرّف بارد لا ينبغي ارتكابه لمن له أدنى درية.
وأمّا القول بالتخصيص فهو متعيّن ولو لم يكن شائعا ، لما عرفت من خصوصيّة المقام. وهذا هو الوجه في كونه محلاّ للاتّفاق ، دون مفهوم المخالفة بعد اشتراكهما في عدم تعقّل التصرّف في المفهوم ، لرجوع التصرّف إلى تفكيك اللازم عن الملزوم. أمّا في الموافق فقد عرفت. وأمّا في المفهوم المخالف فلأنّ بعد تسليم ظهور اللفظ في العلّية المنحصرة ـ كما هو مدار المفهوم ـ لا يعقل عدم
__________________
(١) لم يرد « إمّا » في ( ع ).
(٢) لم يرد « وجوب » في ( ع ).