فاستدلّ الأكثرون بأنّه جمع بين الدليلين ، وهو أولى. وأورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر كحمل الأمر فيهما على التخيير أو في المقيّد على الاستحباب. والأوّل باطل لعدم معقولية التخيير بين الفرد والكلّي ، والثاني فاسد لما عرفت من أنّ التقييد ليس تصرّفا في معنى اللفظ وإنّما هو تصرّف في وجه من وجوه المعنى الذي اقتضاه تجرّده عن القيد مع تخيّل وروده في مقام بيان تمام المراد ، وبعد الاطّلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الإجمال ، فلا إطلاق فيه حتّى يستلزم تصرّفا ، فلا يعارض ذلك بالتصرّف في المقيّد بحمل أمره على الاستحباب ، وعلى المشهور فلا يعارض أيضا بغلبة هذا المجاز على أقرانه ، وعلى تقدير التساوي فالحكم هو الإجمال على المشهور ، ولا بدّ من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل عند دوران الأمر بين المطلق والمقيّد من تحكيم البراءة والاشتغال ، على الخلاف المقرّر بينهم.
والعجب من المحقّق القمي رحمهالله حيث حكم بالبراءة عند دوران الأمر بين المتباينين كالظهر والجمعة (١) ، ويظهر منه الاشتغال في المقام (٢).
وممّا ذكرنا يظهر عدم استقامة ما قد يحتجّ على الحمل بالاحتياط ، فإنّه بعد كونه مختلفا فيه ليس حملا بل هو حمل في العمل كما لا يخفى.
وقد ذهب شيخنا البهائي إلى أنّ وجه الحمل هو اعتبار مفهوم الوصف في قبال المطلق (٣) ؛ ولذلك أورد عليهم التناقض. وهو ليس في محلّه ، إذ بعد النقض
__________________
(١) القوانين ٢ : ٣٧.
(٢) القوانين ١ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦.
(٣) لم نعثر عليه في الزبدة ولا في حواشيه ، نعم حكى في القوانين ١ : ٣٢٩ عن حواشي الزبدة ما يدل عليه.