ولعمري! إنّ الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بهذا المعنى ممّا لا يقبل الإنكار ، فكأنّها نار في منار.
فإن قلت : ما ذكر ممّا لا يجدي شيئا في المقام ـ كما اعترف السيّد (١) بذلك أيضا ـ لأنّ الكلام في ترتّب الثواب على الواجب العقلي والعقاب على تركه ، ولا نسلّم ترتّبهما إلاّ على الأمر والنهي اللفظيين.
قلت : بعد أنّ ذلك منقوض بموارد الإجماع والضرورة والسيرة على وجه في الجميع ، فإن أراد عدم ترتّبهما على الواجب العقلي في الحقيقة وفي المعنى فهو مردود بملاحظة حال العقلاء في كيفيّة الإطاعة والعصيان كما مرّ.
وإن أراد أنّ ما يترتّب على العقليّين من الواجب والحرام لا يسمّى في الاصطلاح عقابا وثوابا فبعد الغضّ عنه ـ كما ينفيه تحديد المتكلّمين (٢) للثواب : بأنّه إيصال النفع بقصد التعظيم ، والعقاب بما يقابله من غير ملاحظة الأمر فكيف باللفظيّ منه ـ فيرد عليه : أنّ النزاع ليس في مجرّد التسمية والاصطلاح ، إذ لا يترتّب على تسمية ذلك ثوابا أو غيره شيء من الأحكام الشرعيّة ، كما لا يخفى.
فإن قلت : إنّ بعض الآثار لا يترتّب إلاّ بعد إثبات الخطاب والثواب والعقاب مثل قتل فاعل الكبيرة في الرابعة ، حيث إنّها على ما عرّفها جماعة (٣) بأنّها « ما أوعد الله عليها النار في كتابه » لا يتحقّق إلاّ بعد تحقّق الخطاب ، والقائل بالملازمة لا بدّ له من إثبات الخطاب في صدق الثواب والعقاب.
__________________
(١) انظر شرح الوافية : ٢١٣ ـ ٢١٤.
(٢) انظر كشف المراد : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، وشرح القوشجي : ٣٨٤.
(٣) نسبه في الذخيرة : ٣٠٤ ، ومفتاح الكرامة ٣ : ٨٩ إلى المشهور ، وفي الكفاية ١ : ١٣٩ إلى المعروف بين الأصحاب.